الإثنين, 3 نوفمبر 2025 04:54 PM

تزايد حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي: ضغوط نفسية وتحديات ما بعد الصدمة

تزايد حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي: ضغوط نفسية وتحديات ما بعد الصدمة

أحمد العبد - تتفاقم ظاهرة انتحار الجنود الإسرائيليين نتيجة لتدهور حالتهم النفسية بعد مرور عامين على حرب الإبادة في قطاع غزة، وسط تكتم شديد من المؤسسة الأمنية. تشير المعطيات المتوفرة إلى أن ما يتم نشره ليس سوى جزء صغير من أزمة معقدة تخفي المؤسسة العسكرية (بمساعدة الرقابة العسكرية) الجزء الأكبر منها عن الرأي العام.

وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية، أقدم ضابط رفيع المستوى في سلاح الجو على الانتحار قبل أسابيع بعد خدمته الاحتياطية في إدارة الطائرات المسيّرة المشاركة في العدوان على غزة. وعلى الرغم من مرور أسابيع على انتحاره وعدم الإعلان عن ذلك، ذكرت “هآرتس” أن الضابط، الذي لم تذكر اسمه، عانى من صدمة نفسية عميقة بسبب “مشاهد القتل والدمار” التي واكبها وشارك فيها خلال تأديته مهامه العسكرية في إطار الحرب على غزة، واصفة إياه بأنه “كان ضابطاً رفيعاً في صفوف الاحتياط، ومن أقدم وأبرز مشغلي الطائرات المسيّرة في الجيش الإسرائيلي”.

ونقلت الصحيفة عن زملاء له قولهم إنه “بدا عليه في الأشهر الأخيرة الانهيار التدريجي، بعدما بات غير قادر على التعايش مع الفظائع التي ارتكبت في غزة”، حيث كان يشرف على إقلاع الطائرات المسيّرة ويتابع نتائج القصف لحظة بلحظة. وأشار أحد زملائه إلى أنه “كان يرى كل شيء، ويدرك تماماً ما يحدث على الأرض. رأيناه يذبل يوماً بعد يوم”. وأكد ضباط في سلاح الجو أن “الضابط المنتحر كان يتلقى علاجاً نفسياً قبل انتحاره”، وأن الجيش كان على علم بوضعه، لكنه لم يبعده عن موقعه لاعتباره إياه “عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه خلال الحرب المتعددة الجبهات”.

وبحسب ضباط آخرين تحدثوا عن ظاهرة أوسع داخل وحدات الطائرات المسيّرة في الجيش الإسرائيلي، فإن العديد من العناصر يواجهون “أزمات أخلاقية” بعدما شهدوا وأشرفوا على عمليات القصف التي أودت بحياة آلاف المدنيين. وقال أحدهم: “يعتقد الناس أن عملنا يشبه لعبة فيديو، لكنه في الحقيقة مرعب. نحن بعيدون جسدياً عن ساحة المعركة، لكننا الأقرب نفسياً إلى الموت”. وأضاف: “نرى الصور بوضوح، نسمع أصوات الانفجارات، ونعرف بالضبط من أصيب ومن قتل. أحياناً نُطلب لإطلاق النار على أهداف نكتشف لاحقاً أنها لم تكن تهديداً فعلياً. بعضنا يعلم أنه قتل أطفالاً بالخطأ، وهذا أمر لا يمكن تجاوزه”.

وسرد أحد مشغلي الطائرات حادثة وصفها بأنها غيرت حياته، قائلاً: “أُمرت بإطلاق النار على شخصين قرب طريق نيتساريم، ثم تبين أنهما طفلان ربما كانا يبحثان عن طعام. في البداية، لم أشعر بشيء، لكن بعدها بدأت أرى وجهيهما كلما أغمضت عيني. شعرت بالخزي وبأنني لم أعد الشخص نفسه”.

أكثر من 10 آلاف جندي لا يزالون يُعالجون من أزمات نفسية واضطراب ما بعد الصدمة.

أيضاً، نقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية الضوء على الصحة النفسية لجنود الاحتلال، مستعرضة قصة جندي يدعى يسرائيل حياة، وصل به الإحباط واليأس إلى حد تمني تلقي رصاصة في جبينه. ونقلت الصحيفة عن الجندي، وهو ممرض قاتل على جبهة غزة، قوله إن “أحد أحلامي هو أن أتلقى رصاصة بين عيني. أنا جثة تمشي. رجل لم يعد يعيش”، مضيفة أن الجندي أصبح غير صالح للخدمة العسكرية، وهو يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وقد شارك أخيراً في جلسة أمام نواب “الكنيست” وأخذ يصرخ في وجه السياسيين، قائلاً، حاله حال كثيرين من رفاقه العائدين من الجبهة، إنه أصبح غير صالح للحياة. وسألهم: “هل تعرفون كيف يكون الشعور عندما ترفع جثث أصدقائك؟ كلما جلست، أرى الجثث، أرى أصدقائي يتفجرون أمام عيني. أحاول أن أقتل نفسي كل يوم. وصف لي طبيب نفسي 15 قرصاً في اليوم، جرعة تكفي لتنويم حصان. عالجوني أرجوكم”.

وكانت كشفت “هيئة البث العبرية” نهاية الأسبوع الماضي عن تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش خلال 18 شهراً، متحدثة عن مقتل 36 عسكرياً انتحاراً خلال الفترة نفسها. واستندت هذه المعلومات إلى تقرير جديد لـ”مركز البحوث والمعلومات في الكنيست”، بين أن جمع البيانات المنظمة عن محاولات الانتحار في الجيش بدأ عام 2024، مشيراً إلى أن 12% من المحاولات كانت شديدة الخطورة، و88% متوسطة.

كذلك، عرض بيانات منذ عام 2017، أظهرت أن 124 جندياً توفوا منتحرين، حتى تموز 2025، 68% منهم في الخدمة الإلزامية، و21% في الاحتياط النشط، و11% في الخدمة الدائمة. وأشار التقرير إلى ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار بين مجندي الاحتياط منذ عام 2023، رابطاً هذا الارتفاع بزيادة عدد المجندين النشطين منذ اندلاع الحرب الأخيرة.

ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تقريراً يلقي الضوء على تزايد حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي، ولا سيما الاحتياط، إذ رأت أن هذه الظاهرة “تنطوي على مخاطر كبيرة على إسرائيل”، على الرغم من تقليل الجيش من أهميتها، ومحاولته تفسيرها بتزايد أعداد المجندين من الاحتياط منذ بداية الحرب. ونقلت الصحيفة عن الخبير الإسرائيلي يوسي ليفي بيلتس تحذيره من أن إسرائيل قد تواجه موجة كبرى من حالات الانتحار، موضحاً أن حالة التجييش ضد “عدو خارجي” لا تزيد بالضرورة من حالات الانتحار، لكن ما إن ترجع الأمور إلى سابق عهدها، سيشعر كثير من الإسرائيليين، ومن بينهم جنود الاحتياط، بآثار الصدمة النفسية التي عاشوها، وقد تكون هذه المرحلة هي الأخطر من حيث حالات الانتحار.

ووفقاً لمعطيات كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن أكثر من 10 آلاف جندي لا يزالون يُعالجون من أزمات نفسية، في حين تم الاعتراف بـ 3769 جندياً فقط ممن “يتأقلمون مع اضطراب ما بعد الصدمة”، ويتلقون علاجاً متخصصاً.

مشاركة المقال: