الأربعاء, 17 سبتمبر 2025 05:34 PM

أزمة الودائع المحتجزة: هل تتناقض تصريحات المركزي مع السياسات النقدية؟

أزمة الودائع المحتجزة: هل تتناقض تصريحات المركزي مع السياسات النقدية؟

أزمة المصارف السورية ليست وليدة اللحظة، بل هي انعكاس لتضارب السياسات النقدية والمالية الهيكلية، حيث تتجلى الأسباب الرئيسية في العقوبات الاقتصادية، وانهيار قيمة الليرة السورية، والتضخم المتزايد. يتطلب الحل إصلاحات جذرية، تحقيق استقرار في سعر الصرف، وتوفير سيولة أجنبية، بدلاً من مجرد تخفيف القيود الذي قد يزيد الأزمة تعقيداً ويقوض الثقة.

الخبير الاقتصادي والمصرفي، وفي حديثه لـ"الوطن"، اعتبر أن ربط حاكم مصرف سوريا المركزي لأزمة المصارف في لبنان بالقيود المفروضة على السحوبات في سوريا هو تبسيط مخل للواقع. ففي حين أن أزمة القطاع المصرفي اللبناني في عام 2019 كان لها تأثير ملموس، إلا أنها ليست السبب الجذري للأزمة السورية. القيود على السحب في سوريا تعود إلى عوامل داخلية أعمق، مثل العقوبات الدولية التي تحد من قدرة النظام المصرفي على الوصول إلى العملات الأجنبية، وانهيار الليرة السورية نتيجة فقدان الثقة بالعملة الوطنية، والتضخم المفرط الذي تجاوز 130% في بعض السنوات، بالإضافة إلى انكماش الاقتصاد وتراجع الإنتاج المحلي، مما أدى إلى نقص حاد في السيولة الحقيقية.

وأضاف الخبير أن أزمة لبنان كانت بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، لكنها لم تكن السبب الرئيسي، بل سرعت الانهيار القائم. واستعرض أستاذ الاقتصاد الشروط الاقتصادية اللازمة لإنهاء القيود على السحب، مؤكداً أن الحوار وحده غير كاف. هناك شروط هيكلية ضرورية، مثل ضخ سيولة أجنبية من خلال الاستثمارات أو تحويلات المغتربين، وإصلاح مالي شامل يتضمن ترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات الضريبية، ورفع جزئي للعقوبات أو إيجاد قنوات مالية بديلة، بالإضافة إلى استقرار سعر الصرف من خلال أدوات نقدية فعالة، مع ضرورة استعادة الثقة بالمصارف عبر ضمانات قانونية وشفافية في العمليات.

وشدد قوشجي على أنه بدون هذه الشروط، فإن أي رفع للقيود سيكون مؤقتاً أو محفوفاً بالمخاطر. وحول مخاطر رفع القيود بشكل مفاجئ، يرى قوشجي أن ذلك قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج أو إلى السوق السوداء، وانهيار إضافي لليرة السورية نتيجة للطلب المفاجئ على العملات الأجنبية، وإفلاس بعض المصارف إذا لم تكن لديها سيولة كافية لتلبية طلبات السحب، ودخول البلاد في دوامة تضخمية جديدة بسبب زيادة الكتلة النقدية المتداولة دون غطاء إنتاجي. لذلك، يجب أن يكون رفع القيود مدروساً ومصحوباً بإصلاحات هيكلية.

وعن البدائل الاقتصادية للخصم القسري، يرى الخبير أنه في ظل العجز المالي، هناك بدائل أكثر استدامة وأقل ضرراً للثقة، مثل إصلاح ضريبي شامل يوسع القاعدة الضريبية ويقلل التهرب، وخصخصة مدروسة للأصول العامة غير الحيوية مع ضمانات اجتماعية، وطلب قروض خارجية مشروطة بالإصلاحات، وخاصة من المؤسسات الدولية، وتشجيع الاستثمار المحلي والخارجي عبر تحسين بيئة الأعمال، وإعادة هيكلة الدين العام بما يتوافق مع قدرة الدولة على السداد. وأشار إلى أن هذه البدائل تتطلب إرادة سياسية ومناخاً قانونياً مستقراً.

وفي ختام الحديث، رأى أستاذ الاقتصاد وجود تناقض بين رفض الخصم القسري ووجود قيود على السحب، موضحاً أنه من منظور اقتصادي، هناك تناقض واضح، فالقيود على السحب هي شكل غير مباشر من تجميد الأموال، مما يعني أن المودعين لا يملكون حرية التصرف بأموالهم، وهذا يشبه عملياً "الخصم القسري"، وإن لم يكن رسمياً، لأنه يمنع الوصول إلى السيولة ويضعف الثقة بالمصارف. والحل هو الاعتراف بهذا التناقض والعمل على تحويل القيود إلى إجراءات مؤقتة ومعلنة، مع خريطة طريق واضحة لرفعها تدريجياً. وفي ظل هذه المعطيات، فإن الوفاء الكامل يبدو غير واقعي دون دعم خارجي أو إصلاحات جذرية، وأي التزام يجب أن يكون تدريجياً، شفافاً، ومبنياً على أولويات واضحة.

محمد راكان مصطفى

مشاركة المقال: