لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد ترف في التعليم، بل واقعاً يفرض نفسه عالمياً وعربياً، حسبما ذكرت روان أسما.
في ظل التطورات الرقمية المتسارعة والتحديات الاقتصادية والتربوية، يواجه المعلم سؤالاً مهماً: كيف يستمر في رسالته ويحوّل التكنولوجيا إلى فرصة؟
لذلك، قمنا بمحاورة المستشارة التربوية تهاني ياسين، مؤسسة أكاديمية MOT لتمكين المعلمين بالذكاء الاصطناعي ومهارات القرن الحادي والعشرين، والمعالجة النفسية نايلة عاكوري، لمناقشة كيفية التعامل مع هذا التحول تربوياً ونفسياً.
ترى ياسين أن دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم يتطلب رؤية شاملة تبدأ ببناء الوعي الرقمي للمعلمين والإداريين، وتوفير بنية تحتية مناسبة، وإدماج الأدوات الذكية في الاستراتيجيات التربوية اليومية.
وتوضح أن الفعالية تأتي من ربط استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بأهداف التعلم، مثل تحليل البيانات لتتبع تقدم الطالب أو توليد محتوى تعليمي مخصص. أما الاستدامة، فتُبنى على تمكين المعلمين وتطوير سياسات تعليمية وطنية تدعم الابتكار وتوفر الموارد المناسبة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والتربوية الصعبة في لبنان.
لتشجيع مشاركة المعلمين والطلاب، تنصح ياسين بالاعتماد على أدوات ذكية تركز على التفاعل، مثل:
- أدوات توليد المحتوى التفاعلي: Canva، Nearpod، Gamma.app، Eduaide، MagicschoolAI.
- منصات المحادثة التوليدية: ChatGPT، DeepSeek، Gemini، Copilot، Poe.
- أدوات حل المسائل والتصور البياني: Desmos وPhotomath في الرياضيات، KENHUB في الأحياء، PhET Colorado في الفيزياء والعلوم، ChemCollective في الكيمياء.
وعلى مستوى الاستراتيجيات، تشدد على اعتماد نماذج التعلم النشط (كالـ5E Model) والدمج التشاركي الذي يجعل المعلم والطالب شريكين في استكشاف الأداة ومناقشة نتائجها.
تؤكد ياسين أن المعلم في لبنان يواجه تحديات حقيقية، منها:
- نقص التدريب المهني المستمر على أدوات الذكاء الاصطناعي.
- ضعف البنية التحتية الرقمية في المدارس.
- القلق من فقدان الدور التربوي أو استبداله بالتكنولوجيا.
- غياب السياسات التربوية الداعمة.
وتشير المعالجة النفسية نايلة عاكوري إلى أن المعلم ليس مضطراً للنظر إلى التطور بسلبية أو خوف، وعليه أن يتذكر أن طلب الدعم ليس ضعفاً، بل جزء أساسي من الحل.
وتضيف عاكوري أن الكثير من المعلمين يشعرون بالتهديد أمام تسارع التطور الرقمي، معتقدين أن خبرتهم الطويلة لم تعد كافية، لكن هذا الاعتقاد غير صحيح.
وترى أن الحل لا يقتصر على تطوير المهارات التقنية، بل يتطلب بناء مرونة نفسية تمكن المعلم من التكيف مع التغيير بدل اعتباره تهديداً شخصياً. وتضيف: "من الطبيعي أن يشعر المعلم بالقلق، لكن الأهم هو تحويل هذا القلق إلى دافع للتعلّم. لذلك، يجب أن نوفر للمعلمين مساحات حوار آمنة ودعماً نفسياً متخصصاً لمساعدتهم على التعبير عن مخاوفهم ومواجهتها بوعي".
في السياق نفسه، تشدد ياسين على أن على المعلم أن يتطور ليصبح قائداً في التعلّم الرقمي لا مجرد ناقل للمعلومة، ما يستلزم:
- مهارات التفكير النقدي تجاه استخدام التكنولوجيا.
- مهارات تحليل البيانات التربوية لتخصيص التعليم.
- المعرفة بأساسيات الأمان الرقمي وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
- مهارات الإبداع في تصميم الأنشطة التفاعلية المستندة إلى الذكاء الاصطناعي.
وتتفق ياسين وعاكوري على أن المعلم في لبنان لا يجب أن يخشى الذكاء الاصطناعي، بل أن يقوده ويوظفه لخدمة رسالته، فالتغيير حتمي، لكن طريقة استقبالنا له هي ما يحدد نتائجه.
تنصح ياسين بالبدء بخطوات بسيطة، واختيار أداة واحدة مناسبة، وتجربتها، ومشاركة التجربة مع الزملاء، فالمستقبل الرقمي لن ينتظر أحداً.
وتضيف عاكوري بضرورة الموازنة بين تطوير المعارف الرقمية والاهتمام بالسلامة النفسية، وعدم السماح للخوف أن يشلّ، بل تحويله إلى فرصة للنمو.
سألنا الذكاء الاصطناعي: كيف يصمد المعلم في 2025؟ فكانت الإجابة: الذكاء الاصطناعي ليس تهديداً للمعلم البشري إذا استُخدم بالشكل الصحيح، بل هو أداة قوية لتسهيل العمل التربوي، لكنه لا يمكن أن يحل محل العلاقة الإنسانية أو القدرة على تحفيز الطلاب أو قراءة المشاعر أو التكيف الفوري مع مواقف الصف المتغيرة.
ويرى الذكاء الاصطناعي أنه يجب على المعلم أن يراه كشريك تكميلي وليس منافساً، يمكن أن يساعد في إعداد المحتوى وتوليد الأفكار وتصميم الأنشطة التفاعلية، ويوفر وقت المعلم للتركيز على توجيه الطلاب وبناء مهارات التفكير النقدي وتقديم الدعم النفسي والعاطفي، ويتيح متابعة تقدم الطلاب وتحليل البيانات لتخصيص التعليم بشكل أفضل.
وينصح الذكاء الاصطناعي المعلمين بعدم النظر إليه على أنه تهديد، بل كفرصة لإعادة ابتكار الأسلوب التعليمي، والحرص على أن يكونوا دائماً المتحكمين بالتكنولوجيا، واستخدام الأدوات الرقمية لتسهيل المهام الروتينية وتوفير الوقت للتفاعل الإنساني مع الطلاب وابتكار أنشطة تجعل التعلم ممتعاً وذا معنى، وتذكر أن القيمة الحقيقية تكمن في القدرة على الإلهام والإرشاد وتحفيز الفضول، وهي مهارات لا يستطيع أي برنامج تقني أن يحل محلها.
المصدر: أخبار سوريا الوطن، وكالات، النهار