أكدت الحكومة السورية منذ تشكيلها على التزامها بتحسين مستوى معيشة ودخل المواطن السوري، بما في ذلك زيادة الرواتب والأجور التي تدهورت بشكل كبير. وفي ظل تجاوز معدلات الفقر 90% وانخفاض الرواتب إلى حوالي 15 دولارًا أمريكيًا، تواجه الحكومة مهمة صعبة لزيادة الرواتب بسبب محدودية مصادر الدخل وخروج حقول النفط والغاز عن السيطرة.
أعلنت الحكومة السورية عن خطة لزيادة الرواتب على ثلاث مراحل، تشمل إصلاح قانون الخدمة المدنية ورفع الأجور رقميًا في قطاعات مختلفة. صرح وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، لموقع "الجزيرة نت" يوم الثلاثاء، بأن الخطة ستنفذ على مراحل.
ويرى الخبير الاقتصادي السوري، أدهم قضيماتي، في تصريح لقناة "حلب اليوم"، أن موضوع الرواتب هو الأهم بالنسبة للموظفين، وأن الزيادة ضرورية خاصة بعد التصريحات حول عدم تلقي خزينة الدولة دعمًا من الدول الداعمة لسوريا. وأشار إلى أن الزيادات الأخيرة كانت نتيجة فائض أو دخول واردات للدولة، مما يعزز إمكانية رفع الرواتب، خاصة مع عدم إقرار السنة المالية الجديدة بعد، وإمكانية تلقي دعم مرتقب من الدول الصديقة.
كم من الوقت تتطلب الخطة؟
أكد برنية أن المرحلة الأولى تضمنت رفع الرواتب بنسبة 200%، وأن الأشهر الثمانية الأولى من العام حققت فائضًا ماليًا مكّن الحكومة من تغطية هذه الزيادات، رغم التوقعات بوجود عجز مالي "قابل للتمويل" مع نهاية العام. وأوضح أن هذه الزيادات تمت من موارد داخلية دون الحاجة إلى اقتراض أو مساعدات خارجية.
وأضاف الوزير أن المرحلة الثانية ستشمل قطاعات مثل القضاء والتعليم والصحة والرقابة والأمن والدفاع، وأن الخطوة الأولى حسّنت القوة الشرائية لموظفي القطاع العام بمعدل يتراوح بين 3 و4 أضعاف، مستفيدة من تحسن سعر الصرف وإضافة التعويضات.
يتوقع قضيماتي أن تتضح ملامح الرواتب والأجور للوظائف الحكومية بحلول بداية عام 2027، مشيرًا إلى أن هذه الفترة ستشهد استلامًا للدعم وإعداد موازنة صحيحة. وأضاف أن رواتب القضاة زادت، وهذا أمر بالغ الأهمية.
وحول تأثير زيادة الرواتب على الأسعار، يرى قضيماتي أنه من الممكن أن تزيد نسبة التضخم، ولكن ليس بالقدر الذي كان يحدث سابقًا، بسبب الشفافية وغياب الفساد. وأوضح أن التضخم أمر وارد في حالة البناء الاقتصادي، ولكن سيتم تداركه مع زيادة سيطرة الدولة على الاقتصاد.
ما هو الحد "الجيد" للرواتب والأجور؟
يرى قضيماتي أن متوسط الدخل المناسب للمواطن يجب ألا يقل عن 500 – 800 دولار كحد أدنى. واعتبر برنية أن الإجراءات الحكومية الأخيرة لم تؤدِ إلى اختلالات كبيرة بفضل تحسين الإيرادات الجمركية والضريبية، مشيرًا إلى أن حصيلة الرسوم الجمركية في شهر واحد باتت تعادل ما كان يُجبى خلال سنة ونصف في النظام السابق، نتيجة مكافحة الفساد وتعزيز الإدارة.
وأضاف أن الحكومة قلّصت الإنفاق الاستثماري بشكل مؤقت لتجنب الاستدانة، لكنها استمرت في دعم مشاريع خدمية في المحافظات مثل درعا ودير الزور. أما المرحلة الثالثة فتتضمن إصلاحات جذرية في قانون الخدمة المدنية، تشمل إلغاء نظام العاملين الموحد ووضع هياكل رواتب مرنة تراعي خصوصية كل وزارة.
ووفق برنية، ستضع المؤسسات "سلال رواتب" تعكس القيمة السوقية للعمل وتسد الفجوات بين المناطق والقطاعات. كما ستتضمن الخطة تحسين رواتب المتقاعدين وتطوير نظام للتأمين الصحي خلال أسابيع، في محاولة لتعزيز رفاهية الموظفين والحد من الفساد عبر أجور عادلة. وكانت رواتب القضاة قد ارتفعت بنسب كبيرة، في حين تعد الحكومة بأن رواتب المعلمين والأطباء ستشهد زيادات إضافية.