في هذا العالم الواسع، الذي أصبح معراجًا لمليارات الأرواح، يظل كل إنسان كيانًا فريدًا يحمل سره الخاص ويضيء بنوره المتميز. لا يذوب الفرد في الجموع، ولا تحدده نظرة الآخرين؛ فالذات لا يمكن تفويضها أو إخفاؤها وراء أقنعة زائفة. كل إنسان هو شاهد على نفسه وممثل وحيد لوجوده، كيان لا يمكن استعارته أو استبداله. كما يقول د. سلمان ريا.
لقد تعلمنا من التجربة السورية أن أشد ما يمكن أن يُسلب من الإنسان هو حقه في أن يكون ذاته. عندما تُصادر الإرادات وتُفرض الأدوار الجاهزة، وتتحول السياسة إلى احتكار وإقصاء، تضيع الكرامة وتفقد الحياة معناها وقيمتها. فالحرية ليست منحة تُعطى وتُسلب، بل هي جوهر الإنسان وشرط وجوده.
استعادة الكرامة تبدأ باستعادة التمثيل الفردي: أن يكون للإنسان صوته الذي لا يُصادر، واختياره الذي لا يُلغى، ومسؤوليته التي لا تُوكل لغيره. قال تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" [المدثر: 38]، وورد عن النبي ﷺ: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته"، لتذكيرنا بأن الإنسان مسؤول عن أفعاله وخياراته، سواء على مستوى ذاته أو مجتمعه. لا يحق لأحد أن ينوب عنك في تعريف ذاتك، ولا أن يحشرك في صورة مسبقة. الفرد هو الأصل، والعلامة، وحجر الأساس في أي نهضة وطنية أو إنسانية، ومسؤوليته أمام الله وأمام الناس هي ما يعطي فعله قيمته ومصداقيته.
السياسة، في معناها الحقيقي، ليست حكرًا على النخبة، بل فضاء رحبًا يتسع لكل صوت حر ولكل مبادرة صادقة. من المبادرة الفردية إلى الجمعيات والأحزاب والمجالس، كل مشاركة تضيف إلى نهر الحياة العامة، وكل إسهام يعيد السياسة إلى معناها الأصيل: مجالًا للإبداع والتشارك والمسؤولية المشتركة.
إن سوريا التي نحلم بها لا تقوم إلا على قاعدة واحدة: الإنسان قيمة عليا، وكرامته جوهر لا يمس، وحريته مفتاح لكل مشاركة ومسؤولية. من هنا يبدأ الطريق: بالاستماع إلى كل صوت، بتمكين كل إرادة، وبإعادة الإنسان إلى مكانته الطبيعية، مقياسًا لكل عدل ومعيارًا لكل نهضة.
أصدق تمثيل للإنسان هو أن يكون ذاته: حرًا ومسؤولًا، مشاركًا في صياغة مصيره ومصير وطنه، شاهدًا على كرامته، وشريكًا في بناء مستقبله.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)