الأحد, 7 سبتمبر 2025 04:24 PM

العشائر السورية: دورها المتنامي وتأثيرها في المشهد السياسي والأمني

العشائر السورية: دورها المتنامي وتأثيرها في المشهد السياسي والأمني

عنب بلدي – عمر علاء الدين – على الرغم من التحديات والانتقادات، أظهرت الأحداث الأخيرة في السويداء الدور المتزايد للعشائر في سوريا ما بعد الأسد. الدعم الحكومي المعلن للحشد العشائري، والذي يتراوح بين الصمت الاستراتيجي والتأييد الانتقائي، يشير إلى استعداد الدولة للاستفادة من هذه القوة في المرحلة الراهنة.

يرى خبراء أن العشائرية تمثل أداة تكاملية في ظل الفراغ الأمني، بينما يعتبرها آخرون ذراعًا أساسية للسلطات لتعزيز سيطرتها وشرعيتها، وهو ما يفسر إحياء الهوية القبلية على مستوى القاعدة الشعبية. تسعى جميع الأطراف، بما في ذلك "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في المناطق ذات الكثافة العشائرية، إلى استمالة هذه القوة وتحييدها عن أي صراع محتمل مع الحكومة السورية، التي وصفت العشائر بأنها "حائط صد". تتناول عنب بلدي دور هذه العشائر في أي صراع مستقبلي مع "قسد" أو أي طرف آخر.

"حائط صد" وقوة ضاربة

أشاد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في خطاب ألقاه في 19 تموز الماضي، بالعشائر، معتبرًا أنها "حائط صد ضد التهديدات الخارجية والداخلية، وأداة فاعلة في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها". وأكد أن "العشائر العربية لطالما كانت في سوريا رمزًا للقيم والمبادئ النبيلة التي تدفعها للنفير ومساعدة المظلومين"، معربًا عن تفهمه لمحاولات العشائر الدفاع عن نفسها في مواجهة التحديات، ومؤكدًا أن دور العشائر لا يلغي دور الدولة.

ورقة بحثية للباحث السوري حيان دخان، نشرها "المركز العربي للدراسات بواشنطن" في آب الماضي، اعتبرت أن "الحشد القبلي أداة قوية للسلطات الجديدة في دمشق لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية". وأوضحت الورقة أن اعتماد حكومة الشرع المتزايد على القوى القبلية ينبع من محدودية قدرة قوات الأمن الجديدة على تغطية كامل سوريا، مما جعل التعبئة القبلية أداة حاسمة للحكومة لبسط نفوذها والتصدي للاضطرابات.

يرى المحلل السياسي حسن النيفي أن العشائر، في ظل الفراغ الأمني، تشكل "قوة ضاربة"، وأن الدولة تحاول الاستعانة بها لملء هذا الفراغ، مما يقوي شوكتها أو يضمن ولاءها. ويعزو النيفي ذلك إلى قلة الكوادر والأجهزة الأمنية، والفراغ الأمني الكبير في البلاد، مما يجعل دعم العشائر وتقويتها "اضطراريا".

في المقابل، يعتبر الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان أن الاعتماد على "القوة الضاربة" ليس استغلالًا بقدر ما هو تكامل وفرصة لخلق "مصالح مشتركة مع قوى مجتمعية تحمل سلاحًا كالعشائر". وأوضح علوان أن الدولة لا تقصد قوة السلاح، لأن ذلك يتناقض مع تعريف الدولة لنفسها بصفتها المحتكر الرئيس للقوة والسلاح، مؤكدًا على فكرة التكامل المجتمعي لتحقيق السلام والسلم الأهلي.

توزع القبائل العربية في سوريا

  • "العقيدات": تتألف من 13 عشيرة وتتمركز في دير الزور وامتداد أرياف حمص وحلب ودمشق ولها امتداد في العراق.
  • "البقارة": تتألف من 11 عشيرة وتتمركز في دير الزور الغربي والحسكة ومنطقة جبل عبد العزيز وحلب، ولها امتداد في الأردن والعراق.
  • "الجبور": من القبائل الكبيرة في الحسكة، وتتألف من تسع عشائر وتنتشر في الحسكة والشدادي، ولها وجود في حلب.
  • "طي": من العشائر الكبيرة في القامشلي، وهي تحالف لـ14 قبيلة، ولها نفوذ في القامشلي وانتشار في حلب وإدلب والجنوب السوري.
  • "البوشعبان": من القبائل السورية البارزة، وتضم 11 عشيرة وتنتشر في حلب وإدلب والرقة ومناطق البادية السورية وريف دير الزور والجنوب السوري، ولها انتشار في جنوب شرقي تركيا.
  • "الموالي": من القبائل التي لديها تاريخ طويل في المنطقة، وتضم 13 عشيرة وتنتشر في ريف حماة والبادية السورية وحلب وإدلب وأرياف الرقة.
  • "قيس": من القبائل السورية الكبيرة، وتضم عشر عشائر ولها انتشار واسع على مختلف الأراضي السورية.
  • "النعيم": القبيلة لها انتشار واسع في شمالي وجنوبي سوريا والبادية، وتضم خمس عشائر.

وهناك قبائل أخرى مثل: "شمر"، "اللهيب"، "الدليم"، "بني خالد"، "بني سعد"، "الحديديين"، "عنزة"، "بري"، "عشائر التركمان"، "الغياث"، "السردي"، "الشرعة"، "الخضير"، "القطاعنة"، "العقادية"، وغيرها ذات الانتشار القوي في حلب وإدلب وجنوبي سوريا على الحدود السورية- الأردنية، مع انتشار يتجاوز الحدود نحو العراق والأردن ولبنان والخليج العربي واليمن، وفق مجلة "المجلة".

"قسد" تغازل والعشائر تعلن النفير العام

قال الرئيس المشارك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) الذراع السياسية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، محمود المسلط، في خطاب منتصف آب الماضي، إن العشائر السورية لن تكون وقودًا لصراعات داخلية أو إقليمية أو دولية. وأوضح أن سوريا تمر بمرحلة خطيرة، وأن هناك قوى خارجية وداخلية تعمل على تفكيك الوطن، مؤكدًا أن العشائر العربية كانت صمام الأمان في حماية الأرض وحفظ الاستقرار، وأن وحدة سوريا هي "خط أحمر".

في 15 آب الماضي، أعلنت قبيلة "البكارة" في منطقة تل أبيض شمالي محافظة الرقة السورية "النفير العام" ضد قوات "قسد". وأكد وجهاء عشيرة "المشهور" أنهم سيواصلون القتال ضد "قسد" حتى انتهاء وجودها في منطقة الجزيرة السورية، معلنين الوقوف الكامل مع الحكومة في الجمهورية العربية السورية، وموجهين نداءً لأبناء العشائر المنضوين تحت سلطة "قسد" للانشقاق عنها.

يرى المحلل السياسي حسن النيفي أن "قسد" تغازل العشائر لإظهار أنها تملك حاضنة شعبية، وأن الشرعية التي تستند إليها هي شرعية السلاح والقوة، وتحرص على أن تكون لها شعبية عبر إقامة المؤتمرات ومحاولة استمالة العشائر.

تتكرر الاشتباكات بين العشائر و"قسد"، وأحدثها في كانون الثاني الماضي، بقيادة إبراهيم الهفل، وهو أحد شيوخ عشيرة "العكيدات"، في ريف دير الزور الشرقي، ويتهم من قبل "قسد" بالتبعية للنظام السوري السابق. في عامي 2023 و2024، شهد ريف دير الزور الشرقي والشمالي معارك مسلحة بدأت بين مقاتلين من "مجلس دير الزور العسكري" بدعم مقاتلين من العشائر العربية و"قسد"، عقب اعتقال قائد "مجلس دير الزور"، أحمد الخبيل (أبو خولة)، بعد خلاف مع "قسد".

لو نشبت الحرب.. أين العشائر؟

تستطيع حكومة الشرع الآن، وفق الورقة البحثية للباحث السوري حيان دخان، التأثير على آلاف من رجال القبائل المسلحين الذين يمكن حشدهم ضد "قسد"، مما يمنحها نفوذًا قويًا. وقد يُنذر استخدام القوات القبلية في السويداء بمحاولة حكومية مستقبلية لاستعادة السيطرة على الشمال الشرقي، وفق الباحث.

لا يعتقد المحلل السياسي السوري حسن النيفي باحتمالية وقوع حرب وشيكة بين الحكومة و"قسد"، إذ إن خيار التفاوض يؤيده الجانبان. ويؤكد الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان أن التفاوض هو استراتيجية الحكومة السورية للوصول إلى تفاهمات مع "قسد" وغيرها، لكنه يرى أن الحكومة قد تضطر إلى الدخول في مناوشات محدودة.

يرى علوان أن الحكومة السورية ستستغل دور العشائر في مناطق شمال شرقي سوريا، على أن تكون أداة ضغط داخلية على "قسد" من أجل الجلوس على طاولة حوار وطنية، وأن تندمج مع الحكومة السورية بناء على اتفاق 10 من آذار. وحتى لو وقعت حرب بين الطرفين، حسب المحلل السياسي حسن النيفي، فلا يمكن للحكومة أن تستعين بالعشائر، لأنه ليس "منطق الدولة".

في الشق العسكري، يرى الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية بمركز "عمران للدراسات" نوار شعبان، أن العشائر "قوى غير رسمية"، وإن كانت تحمل نَفَس الحكومة، فلتدخلها تداعيات دولية. وعلى الحكومة، بحسب شعبان، أن تحاول قدر المستطاع ضبط قوى العشائر، والحد من الانتهاكات حتى لا تلجأ العشائر للسلاح لحماية نفسها.

المفاوضات بين "قسد" والحكومة السورية متوقفة حاليًا، عقب عقد مؤتمر "المكونات" بالحسكة، في 8 من آب الماضي، الذي اعتبرت الحكومة السورية بدورها أنه "يستعيد نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال"، وردت على ذلك بتعليق المفاوضات الجارية بين الطرفين في باريس، والتي كانت نتاجًا لاتفاق 10 من آذار الموقع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد "قسد"، مظلوم عبدي. واعتبر الشرع أن اتفاق 10 آذار هو الأرضية التي يُبنى عليها أي حوار، وأنه يحظى بدعم داخلي وخارجي.

مشاركة المقال: