الأحد, 26 أكتوبر 2025 05:30 PM

تحليل: كيف سقطت سوريا في "فخ السويداء" وما هي السيناريوهات المحتملة للخروج منه؟

تحليل: كيف سقطت سوريا في "فخ السويداء" وما هي السيناريوهات المحتملة للخروج منه؟

عنب بلدي – عمر علاء الدين

"السويداء فخ وقعت فيه جمع الأطراف"، بهذه العبارة وصف وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الأحداث التي جرت في السويداء، وذلك خلال حواره مع قناة "الإخبارية السورية" في 18 تشرين الأول الحالي. وقد انقسم الخبراء الذين قابلتهم عنب بلدي بين من رأى أن ما حدث في السويداء كان فخًا وقعت فيه الحكومة نتيجة لقراءة خاطئة للموقف الدولي، وبين من اعتبره أقرب إلى "مخاطرة محسوبة"، مع الإشارة إلى التفاهمات التي جرت مع الفعاليات المحلية في المحافظة، إلا أن الانتهاكات التي ارتكبتها فصائل تابعة للحكومة أدت إلى تعقيد المشهد.

تحاول عنب بلدي في هذا التقرير الإجابة عن تساؤلات حول هذا الفخ، وكيف وقعت الحكومة فيه ولماذا؟

ما هو الفخ الإسرائيلي؟

قبل وصف الشيباني لما جرى في السويداء بـ"الفخ"، كان الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قد وصف في أيلول الماضي، أحداث السويداء بـ"الفخ المدبر"، مشيرًا إلى أنها اندلعت قبل أربعة أو خمسة أيام من التوصل إلى اتفاق حول آلية أمنية مع إسرائيل، وفق ما نقلته صحيفة "ملييت" التركية.

وفي هذا السياق، اعتبر الباحث والأكاديمي السوري سمير العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، أن تصريحات الشيباني "تعكس إدراك دمشق لحجم الخطأ في تقديرها للموقف الإقليمي قبل التصعيد". ويرى الباحث أن عبارة "الوقوع في فخ" لا تعني "اعترافًا بالهزيمة"، بل تمثل "محاولة لتبرير سوء التقدير والعشوائية" التي رافقت العمليات العسكرية و"الانتهاكات التي فتحت باب التحقيق الدولي".

بدأت أحداث السويداء في 12 تموز الماضي، إثر عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية، وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، لتتطور لاحقًا إلى اشتباكات. وفي 12 تموز أيضًا، أفاد مصدر دبلوماسي في دمشق مطّلع على المحادثات لوكالة "فرانس برس" بانعقاد لقاء سوري إسرائيلي في العاصمة الأذربيجانية باكو، تمحور حول "الوجود الإسرائيلي العسكري المستحدث في سوريا".

تدخلت الحكومة السورية في 14 تموز لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية. وفي 16 تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية عنيفة، أعقب ذلك انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، قامت بها الفصائل الدرزية، الأمر الذي أدى إلى توجه أرتال على شكل "فزعات عشائرية" نصرة لهم. وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.

صحفية وناشطة من السويداء، رفضت نشر اسمها لأسباب أمنية، قالت في وقت سابق لعنب بلدي، إن أهالي السويداء اليوم يرفضون كل شيء من الحكومة، "دون أن يفتحوا مجالًا للصلح"، معتبرة أن ثقتهم "مهزوزة" بالحكومة، بسبب ما سمته "مجازر بحقهم".

ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل ما لا يقل عن 1013 شخصًا في محافظة السويداء، خلال الفترة الممتدة من 13 تموز، كما أسفرت أعمال العنف عن إصابة ما لا يقل عن 986 شخصًا بجروح متفاوتة الخطورة من مختلف الأطراف.

سياسيًا.. لماذا وقعت سوريا في الفخ؟

أخطأت الحكومة السورية في تفسير كيفية رد إسرائيل على نشر قواتها جنوبي سوريا، بعدما شجعتها رسالة الولايات المتحدة بأن "سوريا يجب أن تحكم كدولة مركزية"، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة في 19 تموز الماضي.

وقال الباحث السوري سمير العبد الله لعنب بلدي، إن الإدارة الجديدة ظنت أنها تتحرك ضمن توافق دولي يدعو إلى "دولة مركزية موحدة"، وقرأت الرسائل الأمريكية والإسرائيلية بشكل خاطئ، واعتبرت نشر قواتها في الجنوب "خطوة مشروعة لاستعادة السيطرة"، لكنها فوجئت برد فعل إسرائيلي واسع النطاق وبانهيار السيطرة المحلية.

وبحسب "رويترز"، فإن دمشق اعتقدت حينها أنها حصلت على "الضوء الأخضر" من الولايات المتحدة وإسرائيل لإرسال قواتها إلى الجنوب، على الرغم من أشهر من التحذيرات الإسرائيلية بعدم الاقتراب من الجنوب السوري.

وبحسب الباحث العبد الله، كان الفخ يهدف إلى "إعادة توزيع النفوذ" في الجنوب السوري، عبر خلق "موطئ قدم" لإسرائيل داخل السويداء وإخراجها تدريجيًا من الإدارة الحكومية. واعتبر الباحث أن الأمر تحقق فعليًا مع بروز إدارة محلية شبه مستقلة وتراجع سلطة دمشق المباشرة.

ويرى سمير العبد الله أنه رغم إدراك الحكومة لهذا الواقع، فإن إمكانياتها المحدودة والضغوط الدولية تدفعها إلى التريث واعتماد مسار غير تصعيدي قائم على المفاوضات والتهدئة. وقال إن دمشق اليوم تحاول كسب الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، وتجنب مواجهة مفتوحة أو تفجير الوضع الطائفي في الجنوب.

وفي 16 تموز، عقب استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى الأركان في العاصمة دمشق، قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إنه يعتقد أن الضربة على دمشق كانت "على الأرجح سوء تفاهم".

سوء تقدير.. أم مكيدة؟

لم تعتمد دمشق فقط على تطمينات خارجية، بل دخلت السويداء بناء على "تفاهمات داخلية" نسقها عدد من وجهاء المحافظة لمنح الانتشار الأمني شرعية محلية محدودة، وفق ما يرى الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع" معتز السيد.

وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر الباحث أن "الانقلاب" الذي قاده الهجري على هذا الاتفاق أربك قواعد الاشتباك، وكانت النتيجة انزلاقًا سريعًا إلى دوامة عنف وفقدان ثقة مجتمعية. وبهذا المعنى، يرى السيد أن "الفخ" الذي قصده الشيباني كان مركّبًا من ثلاثة عناصر:

  • تفاهم محلي غير مستقر.
  • إشارات خارجية ملتبسة.
  • فاعل محلي قلب الطاولة.

واعتبر الباحث في مركز "مسداد" أن قرار الدخول للسويداء كان "مخاطرة محسوبة" أكثر منه انخداعًا بتطمينات، حيث راهنت دمشق على تنفيذ "تفاهم داخلي" لم تُحصّنه بآليات التزام ومحاسبة. وأضاف، "هي ليست تطمينات كاذبة بحتة، بل تقدير مفرط لصلابة التفاهم المحلي وسط إشارات خارجية مربكة".

وقال مسؤول عسكري سوري لوكالة "رويترز"، في 19 تموز، إن المراسلات مع الولايات المتحدة دفعت دمشق إلى الاعتقاد بأنها قادرة على نشر قواتها دون أن تواجهها إسرائيل. وأضاف أن المسؤولين الأمريكيين لم يردوا عندما أُبلغوا بخطط نشر الصواريخ، ما دفع القيادة السورية إلى الاعتقاد بأن الأمر تمت الموافقة عليه ضمنيًا وأن "إسرائيل لن تتدخل".

ماذا تريد إسرائيل من الجنوب السوري؟

ما جرى في السويداء لم يوقف مسار التفاوض بين سوريا وإسرائيل، بل استمر في جولات امتدت من باريس إلى لندن برعاية المبعوث الأمريكي، توم براك، لكنها تعثرت بسبب تمسك إسرائيل بالممر الإنساني إلى السويداء، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" عن أربعة مصادر، في 26 أيلول الماضي.

ويرى الباحث السوري معتز السيد أن إسرائيل لم تنقلب على محادثات باكو في تموز الماضي عبثًا، بل انطلقت من عقلية أمنية تعتبر الجنوب السوري خطًا أحمر لا يُسمح بتغييره دون موافقتها. وحين رأت إسرائيل أن دمشق فسّرت الدعوات الأمريكية لدولة مركزية موحدة كـ"ضوء أخضر" للتحرك، وأن قواتها بدأت بالانتشار قرب الحدود، سارعت إلى توجيه ضربات محسوبة لإعادة ضبط قواعد الردع.

واعتبر الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع"، أن الهدف من ضربات إسرائيل لم يكن "إسقاط النظام أو فتح جبهة طويلة"، بل إرسال رسالة واضحة بأن أي تغيير في موازين القوى جنوبًا سيُواجَه برد مباشر. وفي الوقت نفسه، سعت تل أبيب إلى طمأنة الدروز داخل جيشها ومجتمعها، إدراكًا لحساسية هذه الطائفة في معادلة "الأمن الداخلي"، كما أنها، وفق الباحث السيد، لن تغامر بفتح الباب أمام سيناريو شبيه بـ"7 أكتوبر" على حدودها الشمالية، خصوصًا مع قناعتها بوجود فصائل "جهادية" غير منضبطة لا تزال نشطة في الداخل السوري.

واعتبر الباحث أن الانتهاكات التي شهدتها السويداء زادت من تعقيد المشهد، ومنحت إسرائيل ذريعة إضافية لتبرير تدخلها، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستحتفظ بملف "حماية الطائفة الدرزية " كورقة ضغط تفاوضية في أي حوار مستقبلي مع الحكومة السورية، لتضمن بقاءها "لاعبًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الجنوب".

النجاة من الفخ

يرى الباحث والأكاديمي السوري سمير العبد الله، أنه لتحويل الفخ الذي تحدث عنه الشيباني إلى فرصة، تحتاج الحكومة إلى انتهاج "مقاربة واقعية" تقوم على الحوار مع القوى المحلية والاعتراف بخصوصية السويداء ضمن إطار الدولة. وتترافق تلك المقاربة مع توظيف "الوساطات الروسية والإقليمية" لضبط الحدود وتقليص النفوذ الخارجي، بحسب الباحث.

وبهذه الطريقة، باعتقاد الباحث سمير العبد الله، يمكن لدمشق أن تستعيد بعض التوازن وتحوّل الأزمة من خسارة ميدانية إلى فرصة لإعادة تعريف مركزيتها في جنوب مضطرب.

وفي السياق، لا يرى الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع" معتز السيد، أن الحسم الأمني الشامل "خيار واقعي". وأضاف أن أي محاولة لفرض السيطرة بالقوة وحدها ستعيد إنتاج العنف وتغذي سردية المعارضين للحكومة الجديدة.

ويعتقد أن المطلوب من الحكومة هو:

  • حسم أمني تدريجي يقوم على عمليات دقيقة ضد شبكات الخطف والتهريب.
  • إدماج الوجهاء المحليين في ترتيبات أمنية وإدارية (وهي بدأت بالفعل).
  • استمرار تقديم المساعدات مع حوافز اقتصادية وخدمية.

ويرى الباحث السيد أنه بهذه المقاربة يمكن للحكومة أن تستثمر الأزمة لتعزيز شرعيتها، وتحوّل "الفخ" إلى رصيد سياسي وأمني طويل الأمد.

مشاركة المقال: