أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي الرابع عشر حول الاختفاء القسري في سوريا، وذلك بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا الاختفاء القسري الذي يوافق 30 آب/أغسطس. وأكد التقرير أن هذه الجريمة لا تزال تمثل واحدة من أبشع الانتهاكات التي تشهدها سوريا منذ عام 2011 وحتى اليوم، على الرغم من سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وكشف التقرير أن قاعدة بيانات الشبكة سجلت ما لا يقل عن 177,057 مختفياً قسرياً منذ آذار/مارس 2011 حتى آب/أغسطس 2025، من بينهم 4,536 طفلاً و8,984 سيدة. وأكد التقرير أن أكثر من 90% من هذه الحالات مرتبطة بشكل مباشر بمراكز الاحتجاز التابعة لنظام الأسد السابق، بينما تتحمل أطراف النزاع الأخرى مسؤولية النسبة المتبقية.
وأوضحت الشبكة أن انهيار النظام السوري السابق في أواخر العام 2024، وما تبعه من إخلاء للسجون والمراكز الأمنية، كشف عن حجم الكارثة الإنسانية، حيث خرجت أعداد محدودة من المعتقلين على قيد الحياة، بينما بقي مصير عشرات الآلاف مجهولاً. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة لم تكن مجرد ممارسات فردية، بل كانت سياسة ممنهجة اتخذت طابعًا بنيويًا، بهدف ترهيب المجتمع ومعاقبته جماعيًا.
ووفقًا للتقرير، ما يزال ما لا يقل عن 181,312 شخصاً قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، من بينهم 5,332 طفلاً و9,201 سيدة. ومن بين هؤلاء، يوجد 160,123 شخصاً في مراكز النظام السابق، و21,189 شخصاً لدى أطراف أخرى في النزاع.
وأكدت الشبكة أن الاختفاء القسري غالبًا ما يبدأ باعتقال تعسفي، ثم يُحرم الشخص من أي تواصل مع ذويه أو محاكمة عادلة، ليتحول سريعًا إلى حالة اختفاء قسري.
ويرى التقرير أن الاختفاء القسري في سوريا يرتقي ليكون جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، لما له من آثار مدمرة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً على الضحايا وعائلاتهم. وبين التقرير أن آلاف الأسر السورية ما تزال تجهل مصير أحبائها، مما جعل قضية المختفين واحدة من أكثر الملفات إلحاحًا في مسار العدالة الانتقالية.
وأشار التقرير إلى أن المراسيم الرئاسية الصادرة في 17 أيار/مايو 2025 بإنشاء "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" و"الهيئة الوطنية للمفقودين" تمثل خطوة مهمة، لكنها تظل رهنًا بمدى استقلاليتها وشفافيتها. وأكدت الشبكة أن نجاح هذه المؤسسات يتوقف على إشراك الضحايا والمجتمع المدني، وضمان النفاذ الكامل إلى الأرشيفات الأمنية السابقة.
وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في ختام تقريرها أن جريمة الاختفاء القسري في سوريا لا تخص الضحايا وعائلاتهم فحسب، بل تمثل مأساة وطنية ممتدة تمس المجتمع السوري بأسره، مشددة على أن العدالة الحقيقية لن تتحقق دون كشف الحقيقة الكاملة، ومحاسبة المسؤولين، وجبر ضرر الضحايا وذويهم.