كشف وسيم المنصور، نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية في سوريا، أن تحقيقات الجهاز كشفت عن فساد ممنهج في قطاعات استراتيجية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر خلال فترة النظام السابق. وأشار إلى أن الآثار المالية لهذا الفساد، وفقًا للتحقيقات الأولية، تجاوزت مئات الملايين من الدولارات الأمريكية.
80 لجنة تحقيق
في تصريح خاص لوكالة سانا، أوضح المنصور أن الجهاز المركزي للرقابة المالية تلقى مئات ملفات الفساد التي تسببت في أضرار جسيمة للمال العام، وتورط فيها مسؤولون سابقون في حكومة النظام السابق. وقد استدعى ذلك تشكيل أكثر من 80 لجنة تحقيق متخصصة للتعامل مع هذه الملفات.
وأكد المنصور أن التحقيقات أظهرت أن الفساد كان منظمًا ومتجذرًا في القطاعات التي تؤثر بشكل مباشر على معيشة المواطنين، مما وضع على عاتق الجهاز مسؤولية كبيرة للكشف عن الحقائق ومحاسبة المتورطين، ووضع تدابير لمنع تكرار هذه الممارسات في سوريا.
مهام الجهاز المركزي واختصاصاته
وحول طبيعة الجهاز وأقسامه ومهامه، أوضح المنصور أن الجهاز المركزي للرقابة المالية هو هيئة مستقلة تتبع لرئيس الجمهورية وتمارس مهامها وفقًا للقانون رقم /64/ لعام 2003 وتعديلاته. يتألف الجهاز من إدارات فنية متخصصة في الرقابة على القطاع الإداري والاقتصادي وعلى شؤون العاملين، بالإضافة إلى إدارة متخصصة في الشؤون القانونية والتحقيق، إلى جانب عدد من المديريات المركزية والفروع في جميع المحافظات السورية.
وأضاف المنصور أن الجهاز يمارس اختصاصاته على الوزارات والإدارات العامة والهيئات ذات الطابع الإداري، بالإضافة إلى الشركات والمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، والجهات التي تتلقى إعانات من الدولة أو تساهم الدولة في رأس مالها.
كما يمارس الجهاز مهامه الأساسية في تدقيق الإيرادات والنفقات العامة والمنح والهبات والتبرعات المحلية والدولية، ومراجعة وتدقيق الحساب العام الإجمالي للدولة، وتدقيق القوائم المالية للقطاع العام الاقتصادي، بالإضافة إلى الرقابة على شؤون العاملين، والتحقق من استخدام الموارد بكفاءة دون هدر أو إسراف أو ضياع، والتأكد من أن نشاط الجهات العامة قد نفذ وفقًا للقوانين والأنظمة النافذة.
تكمن أهمية عمل الجهاز، وفقًا للمنصور، في كونه الأداة الرئيسية لحماية المال العام، والتأكد من استخدام الموارد الوطنية بكفاءة وشفافية. وبالتالي، لا يقتصر دوره على اكتشاف الخلل، بل يمتد أيضًا إلى رفع مستوى الأداء في الجهات العامة وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة، بالإضافة إلى دعم جهود التنمية عبر توجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية ومكافحة الفساد والحد من الهدر في المال العام.
خطة 2025: تدقيق، تدريب، وتطوير رقابي
وفيما يتعلق بخطة عمل الجهاز في الوقت الراهن، أوضح المنصور أن هناك عدة محاور رئيسية، وعلى رأسها تنفيذ خطة الجهاز لعام 2025 الخاصة بتدقيق حسابات الجهات العامة عن سنة 2024 وفق برنامج زمني محدد وأولويات واضحة.
وأضاف أن خطة الجهاز تشمل استكمال التحقيق في ملفات الفساد التي تورط فيها مسؤولون سابقون في ظل النظام السابق، وتزويد الجهاز بالكوادر المؤهلة لسد الشواغر في الجانبين الرقابي والإداري، بالإضافة إلى تطوير الكوادر عبر برامج تدريبية متخصصة يتم تنفيذها من خلال المعهد الفني للرقابة المالية الذي أحدثته الإدارة الجديدة ليكون الذراع الأساسية لتأهيل ورفع الكفاءات.
وتتضمن خطة الجهاز أيضًا، وفقًا للمنصور، تعزيز التواصل المجتمعي من خلال برنامج المنصات الإلكترونية لاستقبال الشكاوى، ونشر تقارير دورية عن عمل الجهاز، بالإضافة إلى تكثيف التعاون مع الأجهزة الرقابية النظيرة وبناء الشراكات المهنية وحضور الفعاليات والمؤتمرات والاجتماعات المشتركة، واعتماد منهجية التدقيق المبني على المخاطر وضمان جودة الأعمال الرقابية من خلال مديرية المخاطر وضمان الجودة التي تساهم في توجيه التدقيق في الجهات العامة بناءً على مستويات الخطورة والتأكد من جودة التقارير والتزامها بمعايير التدقيق المعتمدة.
وأشار المنصور إلى أنه تم تشكيل لجنة مختصة لإعادة النظر في القانون الناظم لعمل الجهاز، بهدف تحديثه بما يتوافق مع متطلبات سوريا، ومعايير الحوكمة الرشيدة، والالتزام بالمعايير الدولية، وبما يعزز استقلاليته وفعاليته في مكافحة الفساد وحماية المال العام.
نحو استقلالية أكبر وتعاون دولي فعال
وفيما يتعلق بموضوع التعاون الدولي، أوضح المنصور أن الجهاز أولى منذ تسلم الإدارة الجديدة له أهمية كبيرة للتعاون الدولي والانفتاح على الأجهزة الرقابية النظيرة سواء العربية أو الدولية، وعمل على تعزيز العلاقات الثنائية أو المتعددة وتبادل الخبرات والمشاركة الفاعلة في الندوات والمؤتمرات، مما يتيح له الاطلاع على أفضل الممارسات الرقابية والاستفادة من التجارب الناجحة.
واختتم المنصور حديثه بالتأكيد على أن الجهاز شريك داعم للجهات الحكومية في تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد وحماية المال العام والعمل معهم انطلاقاً من هدف مشترك في تعزيز الكفاءة دون أي تعارض أو ندية، مشدداً على أن الجهاز يعمل بكل استقلالية ومهنية من أجل حماية المال العام، وهو ملتزم بالمعايير الدولية للشفافية، ونشر نتائج أعماله بما يرسخ ويعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.