يحل في التاسع عشر من آب "اليوم العالمي للعمل الإنساني"، وهو يوم مخصص لتكريم الأفراد الذين يكرسون حياتهم لخدمة الآخرين في أصعب الظروف وأكثرها قسوة. وائل الحسن، مدرب التنمية البشرية ومهارات التواصل، أوضح في تصريح لـ"الحرية" أن أهمية العمل الإنساني تظهر في إنقاذ الأرواح، وتوفير الاحتياجات الأساسية كالغذاء والماء والمأوى، بالإضافة إلى الرعاية الطبية للمتضررين من الكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، والأزمات الاقتصادية.
كما أكد الحسن أن العمل التطوعي الإنساني يعزز الكرامة الإنسانية، ويهدف إلى حماية حقوق الإنسان، خاصة للفئات الأكثر ضعفاً مثل الأطفال، والنساء، وكبار السن، واللاجئين. وأشار إلى أن العمل الإنساني يساهم أيضاً في تخفيف التوترات، وإعادة بناء المجتمعات، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
الحسن: المتطوعون يكرّسون حياتهم لخدمة الآخرين في أصعب الظروف وأكثرها قسوة..
الاستجابة السريعة للأزمات
أشار الحسن إلى الاستجابة السريعة من قبل المتطوعين خلال الحرائق الأخيرة، حيث كانت فرق الإغاثة في الصفوف الأولى تعمل على تقليل الأضرار وتقديم الدعم الفوري. وأضاف أن عمل المتطوعين لا يقتصر على الإغاثة الطارئة، بل يشمل التعليم، والتمكين الاقتصادي، والرعاية النفسية والاجتماعية.
كما لفت الحسن إلى أن العاملين في المجال الإنساني يقدمون المؤازرة في أماكن خطرة، حيث يعمل الكثير منهم في مناطق نزاع، أو في ظل تهديدات أمنية، أو في بيئات تتفشى فيها الأمراض، مما يعرضهم لخطر العدوى. وأكد أنهم يتنقلون بسرعة إلى أماكن الكوارث دون تجهيزات كاملة، بدافع الواجب الإنساني والعمل التطوعي.
ونوه الحسن بأن العمل التطوعي يدفع المتطوعين للتضحية براحتهم الشخصية، حيث يتركون أسرهم ويعيشون ظروفاً صعبة لتقديم خدمة للآخرين، ويتعرضون للضغط النفسي نتيجة التعامل مع مشاهد مؤلمة ومعاناة بشرية يومية، ويتحملون عبء اتخاذ قرارات مصيرية. وأضاف أن الكثير منهم يعملون في منظمات غير ربحية، بدافع الإيمان بقيمة الإنسان وحقه في الحياة الكريمة.
تضحياتهم تستحق التقدير
أكد الحسن على ضرورة تقدير أولئك الذين يعملون بصمت، خلف الكواليس، في المخيمات، المستشفيات الميدانية، والمناطق المنكوبة، مشيراً إلى أن بعضهم فقد حياته أثناء أداء واجبه، وآخرون يواصلون العمل رغم التحديات، حاملين رسالة الأمل والرحمة.
وأضاف أن محافظات سورية عدة شهدت موجة حرائق واسعة النطاق، خاصة في مناطق ريف حماة، اللاذقية، وحمص، مما استدعى استنفاراً كبيراً من فرق الدفاع المدني والأهالي. ففي سهل الغاب بريف حماة الغربي اشتعلت النيران في جبال بلدات فقرو، عنّاب، ومرداش، وامتدت نحو طريق بيت ياشوط، ما شكّل تهديداً للمناطق السكنية والطبيعة الخضراء. وكذلك في ريف اللاذقية اشتعلت بؤر في وادي النبعين قرب كسب، وجوبة برغال، وجبل الأكراد، حيث تم مدّ أكثر من 66 خرطوماً بطول 1650 متراً للوصول إلى الوديان العميقة. وكان الوضع مشابهاً في ريف حمص الغربي، حيث اندلعت حرائق في أحراج قرية كفرا قرب بلدة مرمريتا، وتمت السيطرة عليها بعد جهود مكثفة.
وأشار إلى جهود الإطفاء والمتطوعين والتضامن الشعبي، حيث شاركت فرق الدفاع المدني وأكثر من 70 فريقاً ميدانياً، بينهم فرق إطفاء حراجي وهندسي، مدعومين بصهاريج مياه وآليات ثقيلة لفتح الطرق وخطوط النار. وواجهت الفرق صعوبات كبيرة بسبب التضاريس الوعرة، وشدة الرياح، ونقص المياه، ووجود ألغام ومخلفات حرب في بعض المناطق.
تضحيات بشرية
سُجلت إصابات بين عناصر الإطفاء والمتطوعين، منها حالات حروق واختناق، إلى جانب إجهاد شديد وضيق تنفس بسبب الحرارة والدخان. ولعب السكان المحليون دوراً بطولياً، حيث تطوعوا لإطفاء النيران حتى بسياراتهم الخاصة، وساهموا في تقديم المعلومات والمساعدة الميدانية.
رغم التحديات، أظهرت هذه الفزعة أن التضامن الشعبي والجهود المشتركة قادرة على مواجهة الكوارث. إنها لحظة تذكّرنا بقوة المجتمع السوري، وبأهمية دعم فرق الإطفاء وتوفير الموارد اللازمة لحماية الطبيعة والناس.
ومن القصص الملهمة التي رواها الحسن لصحيفة “الحرية” أن هناك إطفائيين متقاعدين تطوعوا على نفقتهم الخاصة من محافظة الحسكة، حيث توجه 15 إطفائياً متقاعداً من محافظة الحسكة إلى اللاذقية للمشاركة في إخماد الحرائق، قطعوا مئات الكيلومترات عبر شركات النقل، دون دعم رسمي، فقط بدافع “الحمية على الوطن”. وشاركوا بخبراتهم في المناطق الجبلية الوعرة، وساهموا في السيطرة على النيران رغم خطورتها.
أبو غسان ( إطفائي متقاعد) قال:”لم نستطع البقاء متفرجين والنيران تجتاح الغابات، فكانت مشاركتنا واجباً مقدساً. أما أهالي سهل الغاب فقد قاموا بالفزعة الشعبية التي أنقذت القرى، حيث شارك مئات المدنيين في إطفاء الحرائق باستخدام أدوات زراعية بدائية وعملوا جنباً إلى جنب مع فرق الدفاع المدني وسط درجات حرارة تجاوزت 45 درجة مئوية، بعضهم أصيب بحالات اختناق، وآخرون فقدوا أراضيهم الزراعية ومنازلهم. قال أحد السكان: “شاركنا بما توافر لنا من أدوات، لأننا لا نملك سوى أرضنا، ولن نتركها تحترق”.
هذه القصص ليست مجرد أحداث، بل شواهد على تماسك المجتمع السوري، وعلى أن روح الفزعة والبطولة لا تزال حيّة في وجه المحن.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية