لم يكن الأمر يتعلق ببطولة أو تهور، بل بمجرد دعوة لحضور مناسبة اجتماعية. قررت أن أتحلى بالشجاعة الكافية لارتداء فستان جديد والخروج من المنزل دون الخوف من أن يسجل اسمي في قائمة المفقودين أو الحالات الفردية.
في سوريا، حيث تعج الأخبار بالدم والقتل والخطف والانتقام والاستثمارات الضخمة والأحلام الوردية، وفي ظل مفارقات غير متوازنة، كان الطريق إلى قاعة الخطوبة بمثابة اختبار لقدرة القلب على التعايش مع الأخبار المتلاحقة: حرائق في سهل الغاب، ومجازر في السويداء، وذكريات أصدقاء لا يزالون يكتبون عن ليال بلا نوم ولا أمان، وآخرين ينتظرون العودة إلى منازلهم بعد إعادة إعمارها. ومع ذلك، قلت لنفسي: "لن أفوت هذه الأمسية".
وصلت وجلست وابتسمت ورقصت قليلاً، لكن في أعماقي كنت أجلس على مقعد طوارئ معنوي، أراقب العروس والمعازيم وأجواء الاحتفال، وفي الوقت نفسه أتفقد الأخبار على الهاتف. وبين هذا وذاك، كانت أصوات الناس المرتفعة في سهل الغاب أثناء إخماد الحرائق تتردد في أذني. لكن القلب يحاول أن يرقص وحيداً، في لحظة مسروقة من الفرح قبل أن يعود إلى البكاء سراً وعلانية أحياناً. وهنا حدث المشهد الكوميدي غير المتوقع، عندما قرر "الدي جي" رفع مستوى الأجواء ببث تسجيل للرئيس المخلوع يقول فيه: «لماذا نجتمع لنشرب المرطبات». انفجرت القاعة بالضحك، ليس لأن النكتة مضحكة فحسب، بل لأن السوري لم يعد يملك ترف التمييز بين الفكاهة والمهزلة، لأخاطب نفسي سراً "الأسد سقط… لكن ما زال جالساً بيننا".
في الخارج، عقول وأجواء تغلي، الحرائق تلتهم غابات قرى سهل الغاب، والمجازر تفتك بالأهل، وأصدقاء الساحل يعيشون ذكريات الدم والخوف، بينما دمشق تشهد توقيع اتفاقيات واستثمارات بالمليارات ومطارات وفرص عمل موعودة. أما في الداخل، فتتصاعد التصفيقات وكأننا نكابر على المصير. الفرح هنا لم يكن جماعياً بقدر ما كان فردياً، كل شخص يحاول أن يخلق لحظة صغيرة تخصه وحده. وهنا تذكرت ما كتبه نيتشه: «علينا أن نحمل في داخلنا فوضى، لننجب نجمة راقصة» لكنها نجمة قصيرة العمر، تضيء قليلاً ثم تنطفئ تاركة خلفها سؤالاً صعباً: هل نحتفل فعلاً، أم نمارس تمريناً جماعياً على إنكار الواقع أو ربما الهروب منه قليلاً؟
انتهت المناسبة كما تنتهي معظم المناسبات: عناق سريع، صور جماعية، وضحكات تلتقط على عجل قبل العودة إلى المنازل. عدت وأنا أفكر أن السعادة في سوريا لم تعد شأناً عاماً، بل حالة فردية مؤقتة، أشبه باستراحة قصيرة وسط سباق طويل. شعرت للحظة بالحرج من فرحي، وأنا أعرف أن آخرين في أماكن أخرى لا يملكون حتى رفاهية الخروج. ولكن الإنجاز الأكبر هو أننا تمكنا من حضور خطوبة دون خبر عاجل في البلاد، وهذا أمر يحتاج دبكة جماعية.