الإثنين, 11 أغسطس 2025 11:46 AM

نزوح السخنة والعمالة إلى الرقة: بين قريتين جديدتين وحلم العودة المؤجل

نزوح السخنة والعمالة إلى الرقة: بين قريتين جديدتين وحلم العودة المؤجل

شكّل النزوح، منذ بداية الثورة السورية، أحد أكثر المآسي الإنسانية، خاصةً في حالات نزوح مئات العائلات من بلدتي السخنة والعمالة بريف حمص، إثر سيطرة الميليشيات الإيرانية على البادية السورية. اتجه هؤلاء النازحون نحو ريف الرقة، حيث أنشأوا قريتين جديدتين، وأطلقوا عليهما أسماء قراهم الأصلية، سعيًا للحفاظ على هويتهم وانتمائهم النفسي في ظل ظروف النزوح الصعبة.

تحديات الواقع والتكيف القسري

على الرغم من التهجير القسري، تمكن سكان السخنة والعمالة من التأقلم مع واقعهم الجديد في ريف الرقة، وبناء حياة شبه مستقرة، معتمدين على التضامن المجتمعي والإصرار على تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، ظل الانتماء العاطفي إلى بلداتهم الأصلية حاضرًا، ليشكل رابطًا نفسيًا قويًا مع الذاكرة والمكان.

العودة على طاولة النقاش

مع التطورات الأخيرة في المشهد الميداني، خاصةً بعد سقوط النظام في بعض المناطق وانسحاب الميليشيات الإيرانية من أجزاء واسعة من البادية، بدأ الحديث عن إمكانية العودة إلى المناطق الأصلية يزداد بين السكان، مما أثار نقاشًا داخليًا معقدًا حول جدوى العودة مقابل الاستمرار في الحياة الجديدة. تتعدد العوامل المؤثرة في قرار العودة، وتشمل الاعتبارات الأمنية، والوضع الاقتصادي، وذكريات الحرب، والخوف من تجدد الصراعات، مما يجعل القرار أكثر صعوبة مما يبدو.

شهادات من الميدان

فياض العبد (55 عامًا)، نازح من بلدة العمالة، عبّر لمنصة سوريا 24 عن معاناته قائلًا: "خسرت بيتي وزوجتي، وبقيت مع أطفالي وحدي. الحياة هنا صعبة، لكن علينا الصبر من أجل مستقبلهم. قلبي متعلق بالسخنة، ولكن الخوف على سلامتنا يمنعني من العودة. عرضت منزلي في القرية الجديدة للبيع كي أرمم بيتي في العمالة، لكن لا أحد يشتري بسبب موجة الهجرة إلى العكسية."

أحمد المصطفى (42 عامًا)، يعمل في قطاع البناء داخل القرية، قال: "العودة إلى الوطن حلم لكل واحد منا، لكن لا يمكن اتخاذ قرار في ظل هذا الغموض. نعيش ونعمل هنا رغم صعوبة الظروف. الأفضل أن نؤمن حياة أولادنا هنا، والعودة تأتي عندما يعود الأمان فعلًا."

معاذ العواد (27 عامًا) أضاف في تصريحاته: "رأيت الحرب وتغيرت كثيرًا. الحنين للوطن لا يتوقف، لكن لا بد من التفكير بعقلانية. إذا لم يكن هناك أمان، فالحياة المستقرة هنا، رغم بعدها عن الوطن، أفضل."

إدريس العبد (43 عامًا) قال أيضًا: "فقدت فرصًا كثيرة عندما تركت البادية. بدأت حياتي من جديد في الرقة، ورغم الصعوبات، هناك أمل. العودة ليست مجرد قرار عاطفي، بل تحتاج إلى ظروف آمنة ومستقرة. نحن عائلة ونحتاج الأمان، والرجوع ليس مجرد عودة إلى المكان بل إلى الشعور بالطمأنينة."

حياة جديدة بروح الماضي

بمرور الوقت، اكتسبت القريتان الجديدتان في ريف الرقة طابعًا ريفيًا تقليديًا، وتجلت فيهما ملامح مجتمعات صغيرة قادرة على الصمود، مدفوعة بروح التكاتف والمثابرة. شكلت هذه البيئة حاضنة لاحتياجات الأهالي اليومية، مع استمرار معاناتهم الاقتصادية، وبقاء الأمل في مستقبل أفضل حاضرًا.

مفترق طرق: أمل العودة أم استقرار المنفى؟

يبقى ملف نازحي السخنة والعمالة مثالًا حيًا لتحديات النزوح السوري، حيث تواجه العائلات خيارين كلاهما صعب: التمسك بجذورهم وأرضهم الأصلية أم البقاء في بيئة جديدة قد تكون أكثر استقرارًا. ومع تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق، يظل قرار العودة أو الاستمرار في النزوح قرارًا شخصيًا بامتياز، تحكمه مشاعر مختلطة من الأمل والحذر والحنين، وضرورات الواقع اليومي.

مشاركة المقال: