الإثنين, 11 أغسطس 2025 03:19 PM

موجة الحر الشديدة تضرب ريف دمشق: المحاصيل تتضرر والحياة اليومية تتأثر

موجة الحر الشديدة تضرب ريف دمشق: المحاصيل تتضرر والحياة اليومية تتأثر

ريف دمشق-سانا: تشهد بلدة عين منين في محافظة ريف دمشق، المعروفة بمناخها المعتدل، تحولًا ملحوظًا هذا الصيف. يجلس الحاج أبو مرعي في ساحة البلدة تحت مظلة، ويراقب المارة المتجهين بحثًا عن الظل، معبرًا عن استيائه من شدة الحرارة التي لم يعهدها من قبل، ويضيف: "حتى الجبل لم يعد يحتمل".

في عين منين، كما في بقية مناطق ريف دمشق، لم تعد الحرارة مجرد رقم في نشرة الأحوال الجوية، بل أصبحت واقعًا يوميًا يؤثر على الزراعة والصحة والعمل والحياة اليومية. هذه هي بداية القصة التي توثق تأثير موجات الحر على الحياة في المحافظة.

الصحة العامة في مواجهة الإجهاد الحراري

سجلت وحدة الإسعاف في مشفى التل الوطني أكثر من 40 حالة إجهاد حراري خلال أسبوع واحد، معظمها لأطفال وكبار السن. يوضح الدكتور سميح كردي، اختصاصي الأمراض الداخلية: "نواجه موجات حر غير مسبوقة، والوعي المجتمعي لا يزال ضعيفًا، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى وسائل التبريد". وفي عين منين، تم تسجيل حالات إغماء بين المصلين أثناء صلاة الجمعة بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع الكهرباء، مما دفع بعض المساجد إلى تقليل مدة الخطب وتوزيع المياه على الحضور.

الزراعة تحت وطأة الشمس الحارقة

في الزبداني، اشتكى المزارعون من تبخر مياه الآبار السطحية وذبول أوراق التفاح قبل نضج الثمار. يقول أبو نزار، مزارع عنب منذ 30 عامًا: "ينضج العنب بسرعة، لكن الطعم تغير والكمية أقل، الحرارة تقتل النكهة". وفي عين منين، تضررت الزراعة، حيث أبلغ المزارعون عن تساقط الثمار قبل نضجها وظهور تشققات في التربة بسبب الجفاف، مما اضطرهم إلى استخدام مياه الشرب في الري، في ظل غياب الدعم الفني.

الصناعة والعمالة تحت الضغط

في منطقة عدرا الصناعية، اضطر أصحاب الورش إلى تعديل ساعات العمل لتبدأ من الخامسة صباحًا وتنتهي قبل الظهر. يقول عامل الحدادة محمد العلي: "الحديد يشتعل بين أيدينا، والكمامة لا تكفي، نعمل نصف يوم فقط، والباقي نبحث عن الظل". وأشار إلى أن الإنتاجية انخفضت بنسبة 30%، وأن بعض الورش أغلقت مؤقتًا بسبب عدم توفر وسائل التبريد.

الحياة اليومية تتغير – عين منين نموذجًا

في عين منين، لم تعد الشرفات ملاذًا مسائيًا، بل مصدرًا إضافيًا للحرارة. في السوق الشعبي، اشتكى الباعة من فساد الخضار بسرعة، واضطر بعضهم إلى استخدام الثلج لتبريد البضائع، مما رفع التكاليف. وفي جرمانا ودوما، لجأت الأسر إلى النوم في الطوابق السفلية، بينما نزحت عائلات إلى مصايف بلودان ومضايا هربًا من الحر.

الدفاع المدني في حالة تأهب

في مركز الدفاع المدني في التل، أكد الرائد سامر ديوب أن عدد الحرائق ارتفع بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي، معظمها في الأعشاب الجافة والمزارع المهملة. وأشار إلى نقص في معدات الإطفاء وضرورة تعزيز فرق التدخل السريع في المناطق الجبلية مثل عين منين، التي شهدت حرائق صغيرة قرب الأحراش المحيطة.

التحليل العلمي

وفقًا لمديرية الأرصاد الجوية في ريف دمشق، تتأثر المحافظة حاليًا بامتداد المنخفض الهندي الموسمي، الذي يرفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية. يظهر رسم بياني صادر عن المديرية أن متوسط درجة الحرارة في تموز 2025 بلغ 42 درجة مئوية، مقارنة بـ 36 درجة في تموز 2015. يوضح الخبير المناخي الدكتور نزار خضور: "نحن أمام ظاهرة تعرف بالقبة الحرارية، وهي طبقة ضغط مرتفع تحبس الحرارة وتمنع التبريد الليلي، مما يؤدي إلى موجات حر طويلة ومكثفة".

من عين منين إلى الزبداني، ومن التل إلى عدرا، يواجه ريف دمشق تحديًا مناخيًا غير مسبوق، يتطلب استجابة متعددة المستويات: تعزيز التوعية الصحية في القرى والبلدات الجبلية، دعم المزارعين بمعدات ري حديثة ومبيدات مقاومة للحرارة، توفير وسائل تبريد في أماكن العمل والمدارس، دعم الدفاع المدني بمعدات إضافية، وخاصة في المناطق الجبلية، إدراج تغير المناخ في الخطط التنموية المحلية.

لم يعد ارتفاع الحرارة مجرد رقم في نشرات الطقس، بل تحول إلى ظاهرة يومية تعيد تشكيل تفاصيل الحياة في المدن والقرى. وفي ظل التغيرات المناخية المتسارعة، باتت موجات القيظ تختبر قدرة المجتمعات على التحمل، وتعيد طرح أسئلة حول أنماط البناء والزراعة وحتى السلوك اليومي. إنها دعوة للتأقلم بوعي، ولإعادة النظر في علاقتنا مع الطبيعة، فكل درجة زائدة تحمل عبرة، وتفرض علينا مسؤولية التوثيق والتخطيط والتغيير.

مشاركة المقال: