الجمعة, 8 أغسطس 2025 06:45 PM

فلسطينيو سوريا: وثائق تكشف عن قتل ممنهج وإخفاء قسري وحرمان من الوداع الأخير

فلسطينيو سوريا: وثائق تكشف عن قتل ممنهج وإخفاء قسري وحرمان من الوداع الأخير

في خضم أهوال الحرب السورية، تتكشف فصول مأساوية جديدة تخص فلسطينيي سوريا، حيث تُظهر الوثائق المسربة أن المعاناة تجاوزت الاعتقال والتعذيب لتصل إلى مصادرة حق الضحايا في الوداع الأخير وحرمان ذويهم من معرفة مصيرهم. فقد كشف موقع "زمان الوصل" مؤخرًا عن وثائق رسمية مسربة تتضمن أسماء معتقلين فلسطينيين سوريين قضوا في سجون النظام السوري، مما يفضح سياسة القتل الممنهج والإخفاء القسري التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.

هذه الوثائق، سواء كانت قديمة أو حديثة، ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من سلسلة طويلة من الجرائم الممنهجة، والتي تم توثيقها بأوامر ومراسلات رسمية. تشير هذه الوثائق بوضوح إلى أن ما حدث لم يكن نتيجة تجاوزات فردية أو أخطاء عشوائية، بل هو نهج منظم تتبناه أجهزة أمنية رسمية وبعلم الدولة.

الوثيقة الأولى: ثمانية جثامين بلا وداع

تحمل الوثيقة تاريخ 21 تموز/يوليو 2018، وهي صادرة عن "الوحدة 215" التابعة لشعبة المخابرات العسكرية السورية. تفيد الوثيقة بتسليم جثامين ثمانية معتقلين فلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك إلى مستشفى حرستا العسكري. الأمر الصادم هو أن تسليم الجثامين تم دون إعلام ذويهم ودون السماح لهم باستلامها أو حتى معرفة مكان دفنها، وهو ما يطابق النهج الإجرامي الذي كشفت عنه صور تسريبات "قيصر" من حيث الترقيم والتعامل اللاإنساني مع الضحايا.

الوثيقة الثانية: ثلاثة أشقاء فلسطينيين قضوا في صيدنايا بصمت تام

تعود الوثيقة إلى عام 2013، وتوثق استشهاد الأشقاء الثلاثة من عائلة عباسي (ميسم، محمد، غياث) داخل أقبية سجن صيدنايا العسكري، الذي يُعد أحد أكثر السجون السورية رعبًا والمعروف بـ"المسلخ البشري". هذه الجريمة الموثقة ليست استثناءً، بل هي نموذج لعشرات، بل مئات، الضحايا الفلسطينيين الذين فقدوا داخل معتقلات النظام، وعلى رأسها صيدنايا، وفرع فلسطين، والمزة.

من وثيقتين إلى 30 معتقلاً فلسطينياً

تكشف وثائق جديدة اطلع عليها "مرصد" ونشرتها مصادر حقوقية، أن قائمة الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا في سجون النظام السوري وصلت إلى 30 معتقلاً موثقين بالاسم، مما يؤكد أن ما حدث لم يكن استثناءً، بل سياسة قتل ممنهجة وإخفاء قسري، مع حرمان ذويهم من المعلومة وحق الوداع.

الخلاصة القانونية: جريمة ممنهجة لا تسقط بالتقادم

الوثائق، على الرغم من اختلاف الزمان والمكان، تكشف عناصر مشتركة:

  • القتل تحت التعذيب.
  • الإخفاء القسري للجثامين.
  • حرمان ذوي الضحايا من أبسط الحقوق.
  • التوثيق الإداري للجريمة، بما يشكل دليل إدانة بيد مرتكبيها.

هذه الأفعال، بموجب القانون الدولي، تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية، التي لا تسقط بالتقادم، وتستوجب ملاحقة المسؤولين عنها أمام آليات العدالة الوطنية والدولية.

المشهد الحقوقي والسياسي بعد التغيير في سورية

على الرغم من تشكيل إدارة انتقالية جديدة وهيئة وطنية للمفقودين في سورية، فإن الحقيقة لم تكشف بعد بالكامل، ولم تنصف آلاف العائلات الفلسطينية والسورية التي ما تزال تنتظر مساءلة المجرمين وإنصاف الضحايا. وفي هذا الصدد، تؤكد مبادرة فلسطينيي سورية للرقابة الشعبية - "مرصد" أن الاعتراف بالجريمة لا يكفي، وأن على الهيئة الوطنية للمفقودين التعاون مع الجهات الفلسطينية المستقلة وذوي الضحايا، وكذلك على المؤسسة الدولية المستقلة المعنية بالمفقودين في سورية (IIMP) - التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2023 - توسيع ولايتها لتشمل الضحايا الفلسطينيين، وإشراك ذويهم في مسار العدالة الانتقالية.

غياب التمثيل الفلسطيني… تقصير تاريخي

حتى اليوم، لم تشكل منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية أو حتى بقية الفصائل خارج المنظمة لجنة رسمية لتوثيق الضحايا الفلسطينيين في سورية، ومتابعة قضيتهم محلياً ودولياً، وهو ما نعتبره في "مرصد" تقصيراً مستمراً، يكرس التهميش ويضاعف الإحباط لدى أهالي الضحايا.

مطالب عاجلة على ثلاثة مستويات

دولياً:

  • تفعيل ولاية الآليات الدولية لتشمل الانتهاكات ضد الفلسطينيين في سورية.
  • إشراك ذوي الضحايا في أي مسار للعدالة الانتقالية.

سورياً:

  • ضمان عدم إفلات مجرمي صيدنايا والوحدة 215 وفرع فلسطين من العقاب.
  • إدراج ملفات المعتقلين الفلسطينيين في أعمال الهيئة الوطنية للمفقودين.

فلسطينياً:

  • إنهاء التخاذل السياسي المعيب والإهمال المخزي تجاه آلاف الضحايا المغيبين.

الخاتمة: دم الفلسطيني ليس أقل من غيره

إن مأساة جثامين اليرموك التي لم تسلم، وجريمة قتل الأشقاء عباسي، وارتفاع العدد الموثق للضحايا إلى 30 معتقلاً، كلها شواهد على جرح فلسطيني مفتوح لا يندمل إلا بالحقيقة والعدالة والمحاسبة. ما لم يرفع الصوت الفلسطيني عالياً، فإن الضحايا سيقتلون مرتين: مرة في الزنزانة، ومرة في الصمت. الوثائق لا تموت، الجثامين لا تنسى، والعدالة مهما تأخرت… لا تسقط بالتقادم.

ماهر حسن شاويش - زمان الوصل

مشاركة المقال: