على الرغم من الهدوء النسبي الذي تشهده السويداء، لا تزال المحافظة تعاني من حصار اقتصادي واجتماعي يؤثر على حياة السكان، ويحمل في طياته تداعيات سياسية نتيجة لتراكم المظالم وتعمق الانقسامات المجتمعية. في ظل غياب الشفافية والمساءلة، تسعى السلطة الحالية لإيجاد حلول لأزماتها السياسية الداخلية من خلال الحوار والتعاون مع جهات إقليمية ودولية حول الشأن السوري.
يتضح حجم تدويل القضية السورية، وهو إرث تسلمته السلطة الجديدة عن النظام السابق، ولا تزال عالقة في دوامته. تكشف النظرة إلى الخطابات العامة وأدوات الضغط التي استخدمتها جهات خارجية قبل وأثناء وبعد أحداث السويداء عن ثبات في موقف أنقرة، وبراغماتية من قبل موسكو، ورسائل مزدوجة من واشنطن، وتذبذبات في خطاب تل أبيب الرسمي، مع استمرار سلوكها العدواني وتوسيع احتلالها، واستمرار التحريض الطائفي في وسائل الإعلام التابعة لها.
أكد أردوغان في 17 تموز الماضي: "لم نوافق على تفتيت سوريا بالأمس، ولن نوافق على ذلك اليوم أو غدًا". اعتبر مركز الأبحاث "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في واشنطن، والممول من مانحين جمهوريين ومؤسسات مرتبطة بـ"اللوبي الإسرائيلي"، تصريح أردوغان تصعيدًا في خطاب أنقرة تجاه تل أبيب وتهديدًا لـ"شريك الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب (قوات سوريا الديمقراطية)"، خاصة بعد إعلان وزارة الدفاع التركية في 23 تموز عزمها على تقديم التدريب والاستشارات والدعم الفني لزيادة القدرة الدفاعية السورية، بناءً على طلب رسمي من السلطة لمساعدتها في "تعزيز الدفاع ومكافحة الإرهاب".
شدد المركز على أهمية الضغط على أنقرة لعدم التدخل عسكريًا ووقف محاولاتها لإشعال الصراع مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وأن على واشنطن أن توضح لأنقرة أنه لا يمكنها نشر قواتها أو السيطرة على قواعد عسكرية في وسط وجنوبي سوريا، لما في ذلك من "مزيد من الدمار وعدم الاستقرار في سوريا".
على الرغم من الاتفاق الأمريكي-الإسرائيلي على الأهداف طويلة الأمد في ضمان أمن واستقرار إسرائيل، وثبات دعم الإبادة في غزة، ظهر تباين في التعاطي مع الملف السوري بين واشنطن وتل أبيب، ليس فقط على مستوى الممارسة بل حتى في لهجة الخطاب العام، كتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الحادة اللهجة ضد السلطة الجديدة، في مقابل تصريحات التريث ومراقبة الوضع السوري من قبل الإدارة الأمريكية، إلى جانب انفتاح ترامب على الشرع في إطار القمة الخليجية-الأمريكية في 14 أيار الماضي، وإعلان نيته رفع العقوبات عن سوريا، وإعجابه بشخصه.
وقد يكون مناخ الانفتاح وتعويم السلطة الجديدة، والمحادثات بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في أواخر أيار الماضي، أثمرا في إعلان مسؤول إسرائيلي أن إسرائيل لا تدعم أي فصيل داخل سوريا (أي أنها كانت تعتبر السلطة فصيلًا من فصائل الأمر الواقع في سوريا)، لكنها بدأت تعتبر الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع السلطة السيادية في البلاد، وأضاف المسؤول أن إسرائيل أبلغت "الطائفة الدرزية" في سوريا أنها لن تقبل أي أذى يلحق بها، وشجعتها على التعامل مباشرة مع الإدارة الجديدة.
غير أن هذا التباين وهذه التذبذبات هي جزء من عملية مد وجزر لم تفهمها السلطة الجديدة في سوريا بشكل كافٍ، إذ إن اختيار واشنطن لعب الدور الدبلوماسي وبدء المحادثات بين دمشق وتل أبيب، لا يتعارض بالضرورة أو يحد من تنفيذ الاحتلال لـ"خطة درع إبراهيم" عسكريًا في الجنوب السوري، كمنطقة منزوعة من سلاح الدولة وأي سلاح لجهة أو فصيل عسكري لا تعتبره حليفًا، تمهيدًا لإدارة الجنوب ومناطق أخرى من المنطقة عبر نموذج هيمنة معزز بتكنولوجيا رقابة رقمية متقدمة، تحتفظ من خلاله إسرائيل بحرية مطلقة في التصرف العسكري لضرب أي تحرك تعتبره عدائي تجاهها سواء كان حقيقيًا أم لديها شكوك حوله.
ومع إدراك السلطة الجديدة بأن المناخ السياسي الغربي ما بعد مجازر السويداء لن يكون كما قبلها، اتجهت إلى موسكو كمحاولة لتخفيف الصراع الجيوسياسي حول سوريا، وإيجاد منافذ لها في مجلس الأمن، الأمر الذي تلقفته روسيا بانفتاح وترحيب كبيرين، فهي تعتبر سوريا ساحة نفوذ حيوية في منطقة صراعات دولية، ورغم إدراك الطرفين التكلفة الدموية الباهظة التي سببها الدعم الروسي للنظام البائد، وصعوبة تسويق دور روسي جديد عند شريحة واسعة من الشعب السوري، فإنهما قررا بدء مرحلة جديدة قائمة على مصالح مشتركة، وخاصة مع تصاعد التوترات بين موسكو وواشنطن، واقتراب موعد المهلة الذي حددها ترامب لبوتين حول موقفه من السلام مع أوكرانيا، وتبادل التهديدات بين ترامب وميدفيديف، والتي نجم عنها نشر غواصتين نوويتين أمريكيتين.