الإثنين, 4 أغسطس 2025 12:00 PM

سوريا ما بعد الأسد: هل تتبنى أوروبا استراتيجية مستقلة أم تتبع خطى الولايات المتحدة؟

سوريا ما بعد الأسد: هل تتبنى أوروبا استراتيجية مستقلة أم تتبع خطى الولايات المتحدة؟

هل تسير أوروبا على خطى الولايات المتحدة أم تصوغ استراتيجية خاصة بها تجاه سوريا؟

بينما اتخذت بروكسل خطوات مماثلة لواشنطن في رفع العقوبات عن سوريا في مايو/أيار، يرى محللون أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يمتلكون فرصة فريدة لرسم مسارهم الخاص.

بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، تحركت أوروبا بسرعة، وفي 16 من الشهر ذاته، كان مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى سوريا أول دبلوماسي غربي يزور دمشق، وفي اليوم التالي وصلت بعثة دبلوماسية فرنسية إلى العاصمة، قبل ثلاثة أيام من نظرائهم في الولايات المتحدة. وشهدت الأشهر التالية مزيداً من التحرك: زيارات من ألمانيا وإيطاليا واليونان وقبرص خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير. وفي مطلع تموز/يوليو، أصبح وزير الخارجية البريطاني أحدث مسؤول أوروبي يزور دمشق، ليعيد إرساء العلاقات بين بلاده والعاصمة السورية بعد 14 عاماً من القطيعة.

ورغم أن الدول الأوروبية سارعت لإعادة العلاقات، إلا أنها بقيت حذرة في البداية تجاه السلطات الجديدة، مطالبة بحماية الأقليات وضمان إشراك النساء مقابل رفع العقوبات. بعد أسبوعين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته للسعودية في مايو/أيار بأن بلاده سترفع “جميع” العقوبات عن سوريا، اتبع الاتحاد الأوروبي النهج نفسه في عقوباته الخاصة، باستثناء إجراءات محددة ضد شخصيات من نظام الأسد السابق. وجاءت الخطوة الأوروبية رغم المخاوف المعلنة بشأن سلامة الأقليات في سوريا وأعمال العنف ضد العلويين والدروز، من قبيل الاشتباكات وعمليات القتل في الساحل السوري، التي أسفرت في آذار/مارس عن مقتل 1,500 شخص، وفي مناطق الدروز قرب العاصمة دمشق وفي محافظة السويداء، التي وقعت في أيار/مايو. في أحدث موجة عنف، أسفرت اشتباكات شاركت فيها فصائل في السويداء، ومجموعات بدوية، والجيش السوري، عن مقتل 200 شخص وإصابة 900 آخرون، ونزوح نحو مئة ألف شخص في المحافظة، وتسببت الاشتباكات بإطلاق سيل من التحريض الطائفي، ناهيك عن التدخل العسكري الإسرائيلي، الذي قدّم نفسه كـ”حامٍ للدروز”.

في حديثه لـ”سوريا على طول”، قال جوليان بارنز-ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR): “من الواضح أن الأوروبيين اتبعوا نهج الرئيس ترامب في اتخاذ القرار، وقرار الولايات المتحدة رفع العقوبات بشكل كامل أدى إلى قيام الأوروبيين بالخطوة نفسها بعد أيام قليلة. هذا ليس صدفة”. من جهتها، رأت ريم ممتاز من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن “الأوروبيين، مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة، كانوا متقدمين على الولايات المتحدة من حيث مستوى الانخراط الرفيع مع سوريا”.

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول زعيم غربي أجرى اتصالاً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، واستقبله في باريس في مايو/أيار في أول زيارة إلى عاصمة غربية. وأكدت ممتاز أن الاتحاد الأوروبي أقر إعفاءً جزئياً من العقوبات قبل الولايات المتحدة في أواخر شباط/فبراير، مع إقرارها بأن العقوبات الأميركية كانت “الأكثر قوة” وتأثيراً. فمن دون تخفيف العقوبات من واشنطن، يبقى الفاعلون الاقتصاديون الذين يسعون للتعامل مع سوريا عرضة لعقوبات ثانوية، ما يجعل خطوات الاتحاد الأوروبي -من دونها- غير فعالة. مع ذلك، أضاف بارنز-ديسي: “حتى وإن كان الأميركيون يقودون الطريق ويخلقون مساحة للأوروبيين لتوسيع مقاربتهم، فهناك مجال واسع لرسم علاقة فريدة لها قيمة مضافة مع دمشق في المرحلة المقبلة”. وفي 28 أيار/مايو، اليوم الذي رفع فيه الاتحاد الأوروبي عقوباته، فرض عقوبات جديدة تستهدف ثلاثة كيانات عسكرية مرتبطة بالجيش السوري الجديد واثنين من قادتها، على خلفية مشاركتهم في الانتهاكات بحق العلويين في الساحل السوري، التي وقعت في آذار/مارس، كما وُجّهت لأعضاء هذه الفصائل نفسها اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد الدروز في السويداء خلال الأيام الأخيرة.

نهج موحّد؟

خشية النفوذ الإقليمي المتنامي لتركيا – من أهم داعمي دمشق – دفعت بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل اليونان وقبرص، في البداية إلى الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة ورفع العقوبات، على خلفية الخلاف على جزء من الأراضي القبرصية، بينما تخوض اليونان نزاعاً مستمراً مع تركيا حول بحر إيجه. قالت ممتاز: “هم يرون الأمر أيضاً من خلال منظور الإرهاب”، معتبرة أن “لديهم رؤية ثنائية لماهية سوريا”، لذا “في كثير من الأوجه كانوا يفضلون نظام الأسد”، وفقاً لها. الرئيس الشرع، الذي كان يتزعم هيئة تحرير الشام، كانوا مرتبطين سابقاً بتنظيم القاعدة ولديهم صلات بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

مع ذلك، قالت كاتارزينا سيدلو، كبيرة محللي سياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الاتحاد الأوروبي لدراسات الأمن (EUISS)، إن الاتحاد الأوروبي تبنّى بصورة عامة نهجاً “موحداً” تجاه سوريا، بخلاف قضايا أخرى لم يتمكن أعضاؤه الـ27 من التوصل إلى إجماع بشأنها، مشيرة إلى أن “النهج العام في الاتحاد الأوروبي وداخل مؤسسات الاتحاد هو دعم الانتقال [في سوريا]”. اتفقت ممتاز مع هذا الطرح قائلة: “لدول الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوروبي نفسه مصلحة إستراتيجية في صياغة سياسة خاصة تجاه سوريا، لأن لسوريا تبعات كبيرة على أمن واستقرار وازدهار الجناح الجنوبي لأوروبا”. مع ذلك، لا يملك الاتحاد الأوروبي ككل حتى الآن إستراتيجية ملموسة تجاه سوريا. وأوضحت ممتاز أن عدداً قليلاً فقط من الدول الأوروبية – فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، التي لم تعد جزءاً من الاتحاد – يملك مثل هذه الإستراتيجية. وأضافت: “الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد لا تملك هذا المستوى من التفكير، والمؤسسات الأوروبية نفسها ما زالت تحاول إيجاد موطئ قدم لها من حيث تحقيق التوازن المناسب بين الانخراط وفرض الشروط”.

المصالح الأوروبية

اتفق كل من سيدلو وممتاز وبارنز-ديسي على أن الانخراط الأوروبي الجديد مع سوريا يرتبط بعدة عوامل، أبرزها: الأمن واللاجئون. قالت سيدلو موضحة: “هناك بالطبع مصالح [في سوريا]… تتجاوز مجرد النوايا الحسنة”، مشيرة إلى أن “التفكير الأوروبي يقوم على مبدأ: إذا كان جيراننا آمنين فنحن أيضاً سنكون في أمان”، لذا يأمل الاتحاد الأوروبي ضم سوريا إلى الميثاق، المقرر الإعلان عنه في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، يهدف إلى “فضاء مشترك للسلام والازدهار والاستقرار” من خلال الاستثمار في التعليم والتجارة، إضافة إلى التعاون في مجالات الهجرة والجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب.

قال بارنز-ديسي: “هناك أمل في أوروبا بأن استقرار سوريا سوف يساعد في معالجة هذه المخاوف، سواء عبر تشجيع عودة طوعية للاجئين السوريين أو عبر منع تصدير الإرهاب وعناصر أخرى مزعزعة للاستقرار، سواء كانت مخدرات أو ما شابه ذلك”. في عهد نظام الأسد، ازدهرت تجارة الكبتاغون، التي ترعاها الدولة، إلى شواطئ أوروبا، فيما نفذ تنظيم “داعش” عدة هجمات أوقعت أعداداً كبيرة من الضحايا في أوروبا، وانضم آلاف من مواطنيها إلى صفوف التنظيم. ويوجد مئات من مواطني الاتحاد الأوروبي محتجزين في مراكز اعتقال شمال شرق سوريا. ويخشى كثيرون من عودة تنظيم داعش، الذي نفذ منذ بداية العام نحو 300 عملية في سوريا معظمها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد. وتحتفظ فرنسا، إلى جانب الولايات المتحدة، بوجود عسكري في شمال شرق سوريا دعماً لـ”قسد” في إطار مكافحة “داعش”. قال بارنز-ديسي: “إذا انسحب الأميركيون كما هو متوقع، فسوف يسحب الأوروبيون أيضاً قواتهم على الأرض”. وبغض النظر عن احتمال الانسحاب، يعتقد بارنز-ديسي أن الأوروبيين سيواصلون دعم المفاوضات الجارية بين “قسد” ودمشق بشأن دمج قواتهم الأمنية، إضافة إلى تقديم الدعم الاستخباراتي للسلطات الجديدة.

فيما يخص ملف الهجرة، تتصاعد في أوروبا الدعوات لتقييد تدفقات اللاجئين. ومع سقوط نظام الأسد، تعيد العديد من الدول الأوروبية النظر في قضايا اللجوء الخاصة باللاجئين السوريين، إذ أعلنت ألمانيا مؤخراً عن تجميد لمّ شمل عائلات السوريين الحاصلين على وضع الحماية، وهي خطوة ستؤثر بشكل أساسي عليهم. ولتشجيع العودة، تدرس بعض الدول اعتماد نهج “الزيارة الاستطلاعية” على غرار تركيا، كما قالت سيدلو. حتى الأول من تموز/يوليو، سمحت أنقرة لشخص بالغ واحد من كل عائلة سورية بزيارة سوريا ثلاث مرات كحد أقصى لتقرير ما إذا كانت الظروف مناسبة لعودة طويلة الأمد. وبحسب الحكومة التركية، عاد نحو 600 ألف سوري من تركيا منذ سقوط نظام الأسد.

سياسة العصا والجزرة

قال بارنز-ديسي: “سيكون هناك استمرار لتوسيع الدعم الأوروبي ما دامت الحكومة قادرة على السيطرة على مخاطر العنف الطائفي والقضايا المتعلقة بالأقليات”. وأضاف: “إذا كان هناك شعور بأن الحكومة متورطة بشكل مباشر في الهجمات على الأقليات، أو اعتقاد بأنها تفقد السيطرة على الوضع، فسيكون هناك تردد أوروبي أكبر وإبطاء لهذا الانخراط”. تم توثيق تورط الحكومة في استهداف العلويين على طول الساحل السوري. ومع ذلك، ترى الحكومات الأوروبية على نطاق واسع أن الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني هما “شخصيتان موثوقتان تريدان دفع البلاد في الاتجاه الصحيح”، كما قال بارنز-ديسي. وقالت سيدلو مؤيدة: “إذا استمرت الانتهاكات بحق الأقليات والجماعات وشرائح المجتمع السوري، وإذا لم يمضِ مسار الدستور وفق الجدول الزمني الذي فرضته الحكومة على نفسها، فقد يكون ذلك بمثابة إشارة حمراء”، وهذا “قد يؤدي إلى مراجعة أو إعادة فرض بعض العقوبات على الأقل”، لكن حتى الآن، “لا توجد قائمة مدرجة تحت الخطوط الحمراء، وليس هناك شيئاً منشوراً رسمياً”.

ولا تتوقع ممتاز وسيدلو أن تؤدي موجة العنف في السويداء خلال الأسابيع الماضية إلى تحول فوري في السياسة الأوروبية رغم بيانات الاتحاد الأوروبي التي أدانت الهجمات على المدنيين. يراقب الاتحاد الأوروبي عن كثب الادعاءات بشأن تورط القوات الحكومية في ارتكاب انتهاكات بمحافظة السويداء، بحسب سيدلو، مضيفة: “القضية الأساسية هي ما إذا كان، على افتراض صحة هذه التقارير، الشرع يفتقر إلى القدرة أو إلى الإرادة للجم هذه القوات. هذا التمييز حاسم لأنه سيؤثر مباشرة على أي إعادة معايرة للسياسة الأوروبية”. وختمت بالقول: “حتى الآن، التقييم السائد هو أنه يفتقر إلى السيطرة، لا إلى النية، وهي وجهة نظر تبرر استمرار الانخراط مع الحكومة الحالية كجزء من عملية الاستقرار الانتقالي في سوريا”.

وفيما يخص الديمقراطية، اتفقت سيدلو وممتاز وبارنز-ديسي على أن الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر ميلاً للدفاع عنها، بخلاف الولايات المتحدة، التي أعلنت أنها لن تنخرط في “بناء الأمم” أو تملي “نموذجاً ديمقراطياً”. قال بارنز-ديسي: “سوف يكون الأوروبيون من بين الأصوات القليلة دولياً التي تحاول العمل مع السوريين لاستقرار البلاد بما يتجاوز الاعتبارات الاقتصادية أو الأمنية الضيقة إلى معالجة قضايا مثل الحكم الشامل والمشاركة كحجر زاوية للاستقرار طويل الأمد”. وأضافت سيدلو: “الاتحاد الأوروبي أكثر استعداداً [من الولايات المتحدة] لدعم أي إصلاحات ديمقراطية أو هيكلية، أيضاً بما يتعلق في بناء القدرات وإعادة تأسيس مؤسسات الدولة”. وتابعت: “الاتحاد الأوروبي لا يريد فرض أي شيء، لكنه يمتلك مصالح وأدوات أكثر لدعم هذا النوع من التغييرات مقارنة بالولايات المتحدة”، وتتمثل هذه الأدوات في المساعدة الفنية وتبادل المعلومات (TAIEX)، والتوأمة (Twinning) يمكن أن تُستخدم لتشجيع مثل هذه التحولات من خلال بناء قدرات مؤسساتية.

ومع ذلك، ليست العقوبات الوسيلة الوحيدة المتاحة للاتحاد الأوروبي. قالت سيدلو: “التجارة التفضيلية – أي تقديم معاملة تفضيلية كشريك تجاري – هي الجزرة الكبرى التي يمكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي لسوريا”، باعتباره أكبر شريك تجاري للعديد من دول المنطقة. وأردف بارنز-ديسي مؤكداً: “بينما تتطلع سوريا لإعادة إعمار نفسها وبناء صناعتها واقتصادها المحلي، فإنها ستنظر إلى أوروبا كسوق تصدير محتمل يمكن أن يساعد في نمو الاقتصاد بطرق إيجابية”. ومن المتوقع أن تحاول أوروبا أيضاً إيجاد أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة لوضع “حوافز وعقوبات اقتصادية ضرورية لأهداف الاستقرار الأوسع”، بحسب بارنز-ديسي، مستدركاً: “في واشنطن هذه الأيام، لا يُنظر حقًا إلى الأوروبيين كفاعلين جادين في ما يتعلق بالشرق الأوسط. إنهم مهمشون في معظم القضايا، سواء في الملف الإيراني أو الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أو سوريا”.

مشاركة المقال: