سلّمت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري تقريرها النهائي إلى رئاسة الجمهورية السورية، وذلك بعد انتهاء المهلة المحددة. وأكدت اللجنة التزامها بأعلى معايير الحياد والنزاهة وحماية الشهود خلال عملها.
التقرير وثق أكثر من 1400 قتيل ومئات الإفادات، حيث تمكنت اللجنة من توثيق 1426 حالة وفاة، من بينهم 90 امرأة. وأشار التقرير إلى أن غالبية الضحايا كانوا من المدنيين، مع تسجيل حالات قتل لعسكريين سابقين، وسط ترجيحات بوقوع جرائم قتل بعد انتهاء المعارك العسكرية الرسمية.
استمعت اللجنة إلى 938 إفادة موثقة، بما في ذلك 452 شهادة شخصية من رجال ونساء، و486 إفادة رسمية، تم جمعها في جلسات منفصلة مع أهالي الضحايا والشهود والناجين. كما عاينت اللجنة 33 موقعًا ميدانيًا، بما في ذلك مقابر جماعية وأماكن دفن، بحضور فرق طبية شرعية وخبراء جنائيين.
أظهر التقرير أن بعض الانتهاكات اتخذت طابعًا طائفيًا واضحًا، حيث تم رصد 265 حالة عنف ممنهج ضد النساء، بما في ذلك حالات تحرش واعتداءات خلال عمليات التفتيش العشوائي في الأيام 7 و8 و9 من آذار 2025. كما وثّقت اللجنة استخدام أدوات قسرية وأساليب تعذيب جسدي ونفسي في مراكز الاحتجاز.
تمكنت اللجنة من تحديد 298 مشتبهًا به في ارتكاب انتهاكات، من بينهم مسؤولون ميدانيون، ومقاتلون في مجموعات منظمة، وأفراد شاركوا في القتل والتعذيب وحرق الممتلكات والتهجير والسلب المسلح. وقد تم التعرف على هؤلاء من خلال الإفادات والمقابلات والفيديوهات والمراسلات الرسمية والتحليل الجنائي للصور.
أشار التقرير إلى أن بعض المجموعات المسلحة غير السورية شاركت في التخطيط والتنفيذ، بدعم لوجستي وتمويلي واضح، وأنها مارست السيطرة الفعلية على عدد من القرى والبلدات في الساحل، بالتنسيق مع جهات محلية. كما تبيّن أن العمليات العسكرية التي نُفّذت في آذار 2025 ترافقت مع فوضى أمنية، وتسلل مجموعات خارجة عن السيطرة إلى مواقع مدنية، ما أدى إلى وقوع ضحايا من المدنيين على الطرقات الدولية والبلدات القريبة.
جمعت اللجنة عشرات العينات البيولوجية والجنائية، وأودعتها في مستودعات النيابة العامة، حيث جرى تحليلها بالتعاون مع أطباء شرعيين مستقلين ومخابر دولية في أوروبا والمنطقة. وقد أسفرت تلك التحاليل عن نتائج "حاسمة ودامغة" بحسب وصف التقرير. كما شمل التقرير النهائي 238 حالة موثقة بالصوت والصورة، مرفقة بوثائق رسمية، ومراسلات سرية، وأدلة رقمية تم التحقق من صحتها.
أكدت اللجنة أنها لم تتلقَ أبدًا أي بلاغ عن حالة خطف لفتاة سورية خلال أحداث الساحل. وأضافت أن هناك قائمة من 5 حالات شاركتها الأمم المتحدة مع اللجنة، كانت بعضُها قبل أحداث الساحل وبعضُها خارج مناطق عمل اللجنة، مبيّنة أن هذه حوادث مدانة ويجب التحقق منها، لكنها كانت خارج صلاحية اللجنة.
أوضحت اللجنة أنها لا تمثل الحكومة، وأن عملها كان باستقلالية تامة، ولم يتدخل أي طرف في عملها. وقدّمت اللجنة في ختام تقريرها حزمة من التوصيات إلى الحكومة السورية، ركّزت على ضرورة ضمان عدم تكرار الانتهاكات، وتعزيز دور السلطة القضائية، وملاحقة المتورطين في الجرائم الخطيرة التي تم توثيقها.
كما دعت اللجنة إلى إنشاء آلية مستقلة لمتابعة تنفيذ التوصيات، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا وأسرهم، إضافة إلى إطلاق برامج محلية للعدالة الانتقالية، والمصالحة المجتمعية، وإعادة الإعمار، خاصة في المناطق التي شهدت أعمال عنف مفرط.