الجمعة, 18 يوليو 2025 05:28 PM

هل تضحي مصر بغزة مقابل حل أزمة سد النهضة؟ إغراءات أمريكية تثير القلق

هل تضحي مصر بغزة مقابل حل أزمة سد النهضة؟ إغراءات أمريكية تثير القلق

أدلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتصريحات مهمة أشار فيها إلى "تفهُّم" بلاده لخطورة تأثير "سدّ النهضة" على الحياة في مصر، داعياً إلى حل عاجل للأزمة. وقد تعمّد ترامب، خلال اجتماعه مع الأمين العام لـ«الناتو»، مارك روته، التطرّق إلى مسألة السدّ، رغم أن جدول الأعمال الرئيسي كان يتمحور حول الدفاع والأمن.

وكان الرئيس الأميركي قد أثار هذه المسألة في تشرين الأول 2020، بعد فشل المفاوضات التي رعتها وزارة الخزانة الأميركية مطلع العام نفسه، في خطوة فُهمت كتصريح لمصر بـ"ضرب سدّ النهضة"، وهو ما وصفته أديس أبابا بأنه "خيانة أميركية" لإثيوبيا. وأشار ترامب في تصريحاته الأخيرة إلى الدعم المالي الذي قدمته بلاده لبناء السدّ، معرباً عن استغرابه لعدم معالجة بلاده "القضايا التي خلقها" بشكل ملائم، معتبراً أن النزاع لم يعد مجرد توتر إقليمي، بل "مسألة إنسانية وإقليمية بالنسبة إلى مصر".

أثارت تصريحات ترامب مخاوف خبراء في القاهرة من استغلال التدخل الأميركي لدفع مصر نحو تسويات مؤلمة في ملفات أخرى. وسارع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى إصدار بيان مقتضب رحّب فيه بتصريحات الرئيس الأميركي وثمّنها، معتبراً إياها "دالة على جدّية الولايات المتحدة في بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب"، ومؤكداً تقدير مصر "حرص الرئيس ترامب على التوصّل إلى اتّفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السدّ الإثيوبي، وتأكيده ما يمثّله النيل لمصر كمصدر للحياة".

إن توقف تدخل الولايات المتحدة في جهود تسوية ملف "سدّ النهضة" بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان، مرتبط بحسابات واشنطن في الإقليم ككلّ. وقد أشار تفاديها هذا التدخل إلى توطئة لمزيد من التأزّم ثم فرض شروط قاسية على أطراف الأزمة، ولا سيما على مصر التي تُعدّ المتضرّر الأكبر من مشروع السدّ. واتّضح ذلك في توقّف جهود إدارة ترامب في الملف، بعد اختراق مرحلي (كانون الثاني – شباط 2020) لم تستطع واشنطن فرض مخرجاته التي قبلتها مصر والسودان، ورفضتها إثيوبيا بلهجة واضحة، كما جاء في بيان الخارجية الإثيوبية، في نهاية شباط 2020، الذي عبّر عن سخط أديس أبابا من "جهود الوساطة الأميركية" في الملفّ، ردّاً على مفاوضات رعتها الولايات المتحدة ضمّت مصر والسودان من دون حضور إثيوبيا.

ومع تغيّر الإدارة الأميركية وتولّي جو بايدن الرئاسة (كانون الثاني 2021)، غاب ملفّ "سدّ النهضة" بشكل شبه كامل عن أجندة الولايات المتحدة في المنطقة، في وقت لوحظ فيه إقدام آبي أحمد على إعلان حربه في إقليم التيغراي مع الساعات الأولى من إعلان هزيمة ترامب وفوز بايدن (3 تشرين الثاني 2020). وقد كانت المواقف الأميركية المتفهّمة ضمنيّاً لدوافع الحكومة الفدرالية في الحرب ضدّ "حكومة إقليم التيغراي" آنذاك، دالة على نجاح آبي أحمد في موازنة "الضغوط" الأميركية المنتقدة لانتهاكات قواته في الحرب بحق مئات الآلاف من المدنيين العزّل، وتهميش أيّ جهود لمقاربة أزمة ملفّ "سدّ النهضة". إلا أن الاهتمام الأميركي بالملف عاد ليظهر بشكل لافت في 23 حزيران الماضي، عندما كتب ترامب سلسلة تعليقات على منصة تروث «سوشال»، عدّ فيها تمويل الولايات المتحدة لمشروع بناء «سدّ النهضة» «غباء».

غير أن تعليقات ترامب الأخيرة بخصوص السدّ، وما تخللها من إعلانه عزم بلاده التدخّل في الأزمة بين إثيوبيا ومصر حوله، تكتسب أهمية (أو مصداقية) أكبر، إذا نُظر إليها في سياق آلية صنع السياسة الخارجية الأميركية راهناً، والتي يطغى عليها تهميش الطابع المؤسساتي (على الأقلّ ظاهريّاً). مع ذلك، ورغم الترحيب الواضح من قِبَل السيسي بتصريحات ترامب، وبوادر القلق الإثيوبي الحذر نحوها، فإن تساؤل الخبراء في مصر على وجه التحديد يتمحور حول "المقابل" الذي يبتغيه ترامب من القاهرة إزاء تخليصها من أحد أعقد ملفّات سياساتها الخارجية، وهو ما يظلّ بدوره مثيراً للقلق، ولا سيما في ضوء النهج الذي يتبعه الرئيس الأميركي إزاء ملفات أفريقيا وسائر الدول، والكلفة المرتفعة التي يضعها إزاء أيّ تدخل أميركي.

ووفقاً لخبراء، فإن التكلفة المرتقبة ستكون باهظة، وربّما على حساب موقف مصر المبدئي من القضيّة الفلسطينية أو بعض أركانها (مثل ملفّ التهجير من غزة). ورغم تأكيد الرئيس المصري، في تعليقه على تصريحات ترامب، أهمية دور واشنطن في حلّ النزاعات في أفريقيا والأراضي الفلسطينية، فإن سبل الوصول إلى حلول وسط تظلّ مفتوحة في ظلّ قدرات إدارة ترامب التفاوضية المشهود بنجاعتها أفريقيّاً.

عمدت إثيوبيا، مراراً، إلى نفي أيّ تمويل أميركي لمشروع «سدّ النهضة»، وهو ما تكرّر أيضاً في أعقاب تصريحات ترامب الأخيرة، وكذلك تلك السابقة في حزيران الماضي. ويلاحظ أن تعليقات الرئيس الأميركي جاءت بعد نحو أسبوعين فقط من إعلان آبي أحمد أمام مجلس النواب الإثيوبي افتتاح السدّ «رسميّاً» في غضون شهرين (في أيلول المقبل)، وتوجيهه دعوة إلى كلّ من مصر والسودان لحضور الافتتاح.

كذلك، لا يمكن فصل التطوّر المرتقب، في حال تدخّل ترامب جدّياً في الملفّ، عن مجمل الأوضاع في إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي من جهة، وعن موقع مصر في عملية «إعادة تشكيل» الشرق الأوسط الجارية من الجهة الأخرى؛ فإثيوبيا تواجه تصعيداً مستمراً بسبب توتّر علاقاتها مع إريتريا والصومال، فيما لا يزال موقف مصر متشدّداً إزاء حصولها على منفذ بحري على البحر الأحمر (حتى في إطار صفقة حول المياه وسدّ النهضة).

على أيّ حال، تظلّ مقاربة ترامب لملفّ «سد النهضة» إغواءً واضحاً لمصر، دفع ببعض الناطقين باسم الديبلوماسية المصرية إلى عدّ تعليقات الرئيس الأميركي «انتصاراً»، وهو ما يؤشر إلى تلهّف مصري واضح لتسوية هذا الملف، وثقة واضحة في دور ترامب المرتقب فيه. إلا أن الثمن الذي ستطلبه واشنطن من القاهرة لقاء ذلك سيظلّ مؤرقاً، وربّما يفوق قدرات الأخيرة راهناً.

مشاركة المقال: