الإثنين, 14 يوليو 2025 10:25 PM

انتقادات للهيمنة وتكريس السلطة: هل تتجاوز السلطة الانتقالية صلاحياتها في سوريا؟

انتقادات للهيمنة وتكريس السلطة: هل تتجاوز السلطة الانتقالية صلاحياتها في سوريا؟

ترى لمى قنوت أن السلطة الانتقالية في سوريا، بعيدًا عن التشاركية والتوافق الوطني والشفافية، تتجه نحو إعادة هيكلة المؤسسات الرسمية بطريقة تضمن استمرار هيمنتها وتطيل أمد سلطتها، وكأنها سلطة دائمة وليست انتقالية. هذا التوجه يخالف الإعلان الدستوري الذي وضعته السلطة لنفسها، مما يرسخ مكانتها كسلطة فوق القانون، وهو مسار محفوف بالمخاطر في ظل بلد يعاني من الهشاشة ومجتمع منقسم أنهكته سنوات الاستبداد والحرب والكوارث.

في ظل الانتهاكات المستمرة للإعلان الدستوري، تسعى السلطة إلى تشتيت انتباه الجمهور بإنجازات ثانوية وإغراق الرأي العام بقضايا بعيدة عن الأولويات الحقيقية، مثل إطلاق الهوية البصرية والاحتفاء المبالغ فيه بها. هذا التوجه يهدف إلى التغطية على مخالفة المادة الخامسة من الإعلان الدستوري، التي تنص على أن شعار الدولة يُحدد بقانون.

تقوم السلطة بارتجال مراسيم وقرارات تهدف إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من المؤسسات برئاسة الجمهورية، مما يوسع صلاحيات الرئيس الانتقالي ويضيف صلاحيات جديدة إلى صلاحياته الواسعة التي نص عليها الإعلان الدستوري. المراسيم الرئاسية التي صدرت في 9 تموز الماضي، مثل المرسوم الرئاسي رقم “115” القاضي بتشكيل المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، والمرسوم “114” الذي عدّل قانون الاستثمار، تعتبر استمرارًا لنهج تفريغ الإعلان الدستوري من محتواه والتحرر من قيوده.

على الرغم من الملاحظات والانتقادات الموجهة إليه، فإن رئيس الجمهورية لا يملك سلطة التشريع حسب الفقرة الأولى من المادة “26” التي تنص على أن “يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وفقًا له”.

إضافة إلى ذلك، المرسوم رقم “113” الذي صدر في نفس التاريخ، والقاضي بإحداث مؤسسة ذات طابع اقتصادي تسمى “الصندوق السيادي”، والذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ويرتبط برئاسة الجمهورية، يمثل نموذجًا لتقويض مبدأ سيادة القانون وشكلية الحوكمة وعدم احترام فصل السلطات.

يهدف الصندوق السيادي إلى تنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة، والاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية والخبرات الفنية، وتنشيط الاقتصاد الوطني من خلال استثمارات مدروسة ومتنوعة، وتحويل الأصول الحكومية غير المفعلة إلى أدوات إنتاج وتنمية. تتكون إيرادات الصندوق من الاعتمادات التي تخصصها الدولة له والموارد التي تتحقق من نشاطاته. تنص المادة “12” من المرسوم على أن يكون المدير العام للصندوق مسؤولًا أمام مجلس الإدارة وأمام رئيس الجمهورية عن حسن سير العمل فيه. كما ينص المرسوم على أن يعمل الصندوق بالاعتماد على نظام حوكمة صارم وشفاف من خلال تقارير ربع سنوية وسنوية تقدم لرئاسة الجمهورية، مما يعني أن رئيس الجمهورية هو الضمان لحوكمة الصندوق وشفافيته، في حين لا توجد أي سلطة تسائل الرئيس الانتقالي وتحاسبه وفق الإعلان الدستوري، وبالتالي فإن التصرف في القطاع العام والاستثمار غير خاضعين للرقابة والمحاسبة.

إن تحفيز الاستثمار وتذليل معوقاته لا يمكن أن يتحقق في غياب الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وفي ظل انفلات تشريعي وأمني وانتهاكات تُحيلها السلطة لأخطاء فردية. هذا الوضع لا يخيف الاستثمار الأجنبي فحسب، بل يمنع عودة الأموال الوطنية المهاجرة.

إن لجوء السلطة إلى الخارج للتماس الشرعية لا يشيع أجواء الثقة بينها وبين الجزء الناقد من الشعب الذي يتوق إلى قيم الديمقراطية ويتوجس من تفردها بصناعة القرار ومركزيتها المفرطة وتغولها المتسارع على المؤسسات الرسمية وتدخل شرعييها في التعيينات والفضاءات.

لا تملك سوريا رفاهية التجريب، ولا يمكن التعامل مع الشعب “كخطيفة محررة”، ولا يمكن تجاهل الاستفادة من تجارب الشعوب. فالسلطات المطلقة في يد شخص واحد، واحتكار السلطات الثلاث، وتوزيع المناصب والممتلكات الاستراتيجية للدولة كغنائم حرب، وتضخيم مؤسسة الرئاسة، والسيطرة على القرار السياسي والاقتصادي والتشريعي والأمني في دائرة مغلقة، تحت ذرائع الثقة وجلب الاستثمار وإنعاش الاقتصاد، ستخلق دائرة أوليغارشية حول رأس السلطة والممسكين بمفاصلها، وستخنق الحريات والعدالة والفضاء السياسي والمدني، وتنتهي بنهب ما تبقى من موارد البلد وثرواته وإفقار أبنائه وبناته وتفكيكه وإبقائه مستنقع فساد واستبداد وإفلات من العقاب.

مشاركة المقال: