السبت, 12 يوليو 2025 04:33 PM

سوريا تُجري تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار لجذب رؤوس الأموال وتحفيز الاقتصاد

سوريا تُجري تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار لجذب رؤوس الأموال وتحفيز الاقتصاد

في خطوة تشريعية بارزة تهدف إلى تعزيز النهوض الاقتصادي، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع المرسوم التشريعي رقم 114 لعام 2025، والذي يتضمن تعديلات شاملة على قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021. تهدف هذه التعديلات إلى تحسين بيئة الاستثمار، وتوسيع الضمانات، وتشجيع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على دخول السوق السورية في مرحلة ما بعد الحرب.

تحديث المفاهيم وبنية قانونية عصرية

من أبرز التعديلات توسيع المادة الأولى من القانون لتقديم تعريفات أكثر شمولاً ودقة لمصطلحات الاستثمار. كما أُدخلت مصطلحات جديدة مثل "المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية" ليكون مظلة عليا لصياغة السياسات، و"هيئة الاستثمار السورية" كمؤسسة مستقلة تتبع لرئاسة الجمهورية. بالإضافة إلى ذلك، جرى تحديث مفاهيم مثل "المال الخارجي"، و"مركز خدمات المستثمرين"، و"منطقة التطوير والاستثمار العقاري".

ضمانات قانونية ومالية لتعزيز الثقة

عدّل المرسوم المادة الخامسة لتوفير مجموعة من الضمانات القانونية، بما في ذلك منع الحجز الاحتياطي أو فرض الحراسة على المشاريع إلا بقرار قضائي، وحظر نزع الملكية إلا بموجب حكم قضائي وتعويض عادل بالسعر الرائج. كما حظيت المشاريع بحماية من أي أعباء إجرائية أو مالية جديدة خلال مرحلة التأسيس، مع ضمان عدم إلغاء إجازة الاستثمار تعسفياً، ومنح المستثمرين الحق في الاعتراض والطعن أمام القضاء.

هيكلة مؤسساتية جديدة للإشراف والتنفيذ

في إطار دعم الحوكمة الرشيدة، أُعيد تشكيل المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية ليضم وزراء من القطاعات الاقتصادية الحيوية وخبراء من القطاعين العام والخاص. كما أُعيد تنظيم هيئة الاستثمار السورية لتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وترتبط برئاسة الجمهورية، مع منحها صلاحيات لإنشاء فروع في المحافظات. وشملت التعديلات أيضاً إعادة تشكيل مجلس إدارة الهيئة لتحقيق التوازن بين تمثيل القطاعين العام والخاص.

تسريع الإجراءات وتسهيل التراخيص

لتقليل الروتين والبيروقراطية، نصّ المرسوم على إلزام الجهات العامة بالبت في طلبات إجازة الاستثمار خلال 30 يوم عمل فقط، بالإضافة إلى إنشاء مراكز خدمات المستثمرين في جميع المناطق التنموية لتكون بمثابة نافذة واحدة تختصر الإجراءات وتعزز الكفاءة.

إعفاءات وتحفيزات

أبرز ما جاء في التعديلات كان في المواد المتعلقة بالإعفاءات والتحفيزات، حيث تم إعفاء كامل لمستوردات الآلات وخطوط الإنتاج والمعدات الطبية من الرسوم الجمركية، مع إقامة مؤقتة للمستثمر الأجنبي لمدة سنة قابلة للتجديد. وأُقرّ إعفاء ضريبي دائم بنسبة 100% لمشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني، بالإضافة إلى خفض ضريبة الدخل بنسبة 80% للمشاريع الصناعية، الطبية، الزراعية، ومشاريع تدوير النفايات.

تسهيلات إضافية تواكب الواقع الاقتصادي

أتاح المرسوم للمجلس الأعلى تخصيص أراضٍ من أملاك الدولة للمستثمرين وفق أسس اقتصادية عادلة. كما أُلزم المستثمر بتشغيل ما لا يقل عن 60% من العمالة السورية، مع مرونة في حال تعذّر ذلك. ونص أيضاً على إمكان إنشاء مركز تحكيم خاص للمنازعات الاستثمارية، والسماح للخبراء الأجانب بتحويل أجورهم بالكامل إلى الخارج. وأكد المرسوم صراحة أن أحكام قانون الاستثمار الجديد تسري على أي قانون آخر يتعارض معها، مما يعزز وضوح البيئة القانونية ويزيل التعقيدات التشريعية التي كانت عائقاً أمام المستثمرين.

أهمية التعديلات: بيئة استثمارية أكثر ثقة واستقراراً

يقول الخبير الاقتصادي مدحت نافع لـ"النهار" إن التعديلات تعكس توجه الدولة نحو بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، مضيفاً أنها توفر للمستثمر حماية قانونية واضحة، وآليات اعتراض وطعن قضائي فعالة. ويرى أن هذه الضمانات حاسمة للمستثمر المحلي والمغترب والأجنبي على حد سواء، وأن النافذة الواحدة والإجراءات الملزمة زمنياً ستسرع دورة الموافقات، وهو عنصر بالغ الأهمية في قرارات الاستثمار.

كما يرى نافع أن الإعفاءات الجمركية والضريبية تقلل من تكلفة تأسيس المشاريع وتزيد من جاذبية القطاعات الحيوية كالصناعة والزراعة والصحة والبيئة، وأن اشتراط توظيف السوريين والمساهمة في البنية التحتية يضمن أن يكون الاستثمار أداة لإعادة الإعمار والتنمية.

ويلفت إلى أن ربط هيئة الاستثمار بالرئاسة، وتشكيل مجلس اقتصادي يضم خبراء ووزراء، يعكس نضجاً مؤسساتياً في إدارة الملف الاقتصادي.

انعكاسات على المدى القريب والبعيد

من أبرز الانعكاسات المنتظرة على المدى القريب والمتوسط، ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية، خاصة من المغتربين السوريين، وتحفيز قطاعات الزراعة والصناعة والصحة بشكل خاص، ورفع معدلات التشغيل وخفض البطالة، بالإضافة إلى تحريك قطاع الإعمار والعقارات المرتبط بالاستثمار، وتحسين موقع سوريا في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال عالمياً.

لكنه يلفت إلى أن النجاح مرهون بالالتزام الإداري الفعلي بتنفيذ القانون، ومكافحة الفساد والروتين، وتوفير الاستقرار الأمني والسياسي.

في الخلاصة، تشكل التعديلات الأخيرة على قانون الاستثمار خطوة محورية نحو اقتصاد أكثر مرونة وانفتاحاً، وتؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، في مسار يقود إلى التنمية، التشغيل، والاستقرار. لكن يبقى النجاح مرهوناً بإرادة تنفيذية قوية، واستدامة في الإصلاح، وثقة تنمو من الفعل وليس فقط من النصوص.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: