الأحد, 13 يوليو 2025 12:28 AM

من روابط القرى إلى إمارة الخليل: إسرائيل تعيد تدوير مشاريعها الاستعمارية الفاشلة في الضفة

من روابط القرى إلى إمارة الخليل: إسرائيل تعيد تدوير مشاريعها الاستعمارية الفاشلة في الضفة

أحمد العبد - تعود إسرائيل مجدداً لتجربة أساليب أثبتت فشلها سابقاً، وهي محاولة تأسيس كيانات تابعة لها في الضفة الغربية. وتراهن إسرائيل على إمكانية تحقيق النجاح هذه المرة، شرط توفر دعم سياسي ومالي وعسكري كبير، على غرار ما فعلته مع العصابات المسلحة في غزة، مثل عصابة «أبو شباب».

لطالما سعى الاستعمار إلى ترسيخ هذا النموذج في المناطق المحتلة، سواء خلال فترة الانتداب البريطاني أو في ظل الاحتلال الإسرائيلي، من خلال ابتكار نماذج حكم محلية تعتمد على نخب مجتمعية كالوجهاء والعشائر والعائلات، أو حتى بعض الشخصيات المهمشة.

ظهر ذلك جلياً في «فصائل السلام» المسلحة التي شكلتها قوات الانتداب البريطاني عام 1938، والتي ضمت عناصر فلسطينية معارضة لثورة 1936، أو مستفيدة من الاحتلال البريطاني اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، أو ممن تعرضوا لعقاب فصائل الثورة. خاضت هذه الفصائل مواجهات مسلحة ضد المقاومة، وساهمت في اعتقال العديد من رجالها، مما أثار عداءً شعبياً واسعاً تجاهها، إلى أن تخلت عنها بريطانيا وحلّتها.

كررت إسرائيل التجربة لاحقاً عبر ما عرف بـ «روابط القرى»، وهي فكرة طرحت في عام 1979 على مائدة عشاء في منزل الشيخ محمد علي الجعبري في الخليل، من قبل الحاكم العسكري للمدينة يغئال كرمون. وتقوم الفكرة على ضرورة إيجاد قيادات فلسطينية متواطئة مع الحكم العسكري الإسرائيلي، لتكون بديلاً لـ «منظمة التحرير الفلسطينية». تبنى هذه الفكرة آنذاك مستشار الشؤون العربية في الحكم العسكري الإسرائيلي، مناحم ميلسون، وبدأ بتنفيذها في عدة مدن.

واليوم، وعلى غرار نموذج «أبو شباب» والعصابات المسلحة في غزة، تدور أحاديث عن محاولات مماثلة في الضفة الغربية، حيث نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً حول نية شخصيات من الخليل إعلان تمردهم على السلطة الفلسطينية، والتعاون مع إسرائيل، والاعتراف الكامل بإسرائيل كدولة يهودية، وذلك عبر خطة تقوم على انفصال الخليل وإنشاء إمارة خاصة بها، تنضم لاحقاً إلى «اتفاقات أبراهام».

يقف وديع الجعبري «أبو سند»، وخلفه أربعة مشايخ لم يُكشف عن أسمائهم، وراء مبادرة «إمارة الخليل»، التي وجهت رسالة إلى وزير الاقتصاد الإسرائيلي ورئيس بلدية القدس سابقاً، نير بركات، بعد لقاءات جمعته بأعضائها في منزله أكثر من 12 مرة منذ شباط الماضي.

يثير الريبة أن تسريب هذه المبادرة يأتي في ظل الحديث المتزايد عن خطة إسرائيلية لفرض السيادة على الضفة.

طلب هؤلاء من الوزير نقل الرسالة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي أبدى دعماً حذراً للمبادرة، منتظراً تطوراتها، بحسب مصادر عبرية.

بعد ساعات من تسريب التقرير، شهدت محافظة الخليل، التي ينتمي إليها أصحاب المبادرة، تحركات واسعة، حيث عقدت العائلات والعشائر اجتماعات وأصدرت بيانات. من بين هذه العائلات، عائلة الجعبري التي أعلنت براءتها التامة من تصريحات أحد أفرادها، مؤكدة أنه غير معروف لدى العشيرة وليس من سكان الخليل، وأن موقف العائلة ثابت وهو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهو ما أكدته عائلات الخليل وعشائرها في بيان موحد.

تشير دلائل كثيرة إلى فشل مبادرات كهذه، خاصة وأن القائمين على فكرة «إمارة الخليل» هم أفراد لا يمثلون عائلات أو عشائر ذات توجه انفصالي عن السلطة. وفي ظل غياب الحاضنة العائلية والعشائرية، سيواجه القائمون على المبادرة، حتى في حال حصولهم على دعم إسرائيلي، معارضة قوية في الشارع الفلسطيني، وستجد السلطة نفسها في مواجهة معهم، مستفيدة من موقف وطني وفصائلي وعشائري ومجتمعي.

على الرغم من ذلك، فإن طرح هذه الأفكار في هذا التوقيت يحمل خطورة كبيرة، وقد يشير إلى المرحلة القادمة في الضفة، والتي سيكون عنوانها إحداث بلبلة داخل المجتمع الفلسطيني، خاصة في مدينة الخليل، التي تمتاز بتركيبة عشائرية تقليدية. ولا تخفي إسرائيل رغبتها في إنتاج نماذج شبيهة بما أقامته في غزة، في الضفة؛ وهنا تكمن خطورة المبادرة، إذ إن المستوى السياسي الإسرائيلي على علم بها ويؤيدها، وهو ما عبر عنه مردخاي كيدار، الذي قال إنها تحقق حلماً شخصياً وتصحح خطأ اتفاقيات أوسلو.

ومما يثير مزيداً من الريبة، هو أن تسريب المخطط يأتي في ظل الحديث المتزايد عن نية إسرائيل فرض سيادتها على الضفة الغربية، وفق ما يطالب به قادة المستوطنين يومياً. ولذلك، ليس مستبعداً أن تتعامل إسرائيل مع المبادرة كجزء من مخطط ضم 65% من مساحة الضفة، وتحويل المساحة المتبقية إلى 20 كانتوناً فلسطينياً منعزلة جغرافياً، من خلال شبكة من الحواجز والبوابات العسكرية، وسياسياً بحيث لا يمكنها تشكيل كيان موحد.

تتماهى هذه المبادرة مع طروحات اليمين المتطرف الذي يناقش، منذ سنوات، سيناريوات مستقبل الضفة الغربية، وفق قاعدة إعادة إنتاج السلطة الفلسطينية كـ «إدارة بلديات محلية»، بعيداً من حملها أي هوية وطنية أو مطالب سياسية. كما أنها تخدم الإستراتيجية الإسرائيلية التي تُنفّذ على أرض الواقع من خلال تفتيت الجغرافيا الفلسطينية، وهو ما نجحت فيه تل أبيب إلى حدّ بعيد إلى الآن، لتأتي المبادرة وتقدّم الغطاء الإداري له، من خلال الاستعداد لإعلان «إمارة الخليل».

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: