في تقرير حديث لصحيفة “الغارديان” البريطانية، يسلّط الضوء على التدهور الحاد في العلاقة بين دونالد ترامب وإيلون ماسك، التي كانت يوماً تُوصف بأنها واحدة من أكثر التحالفات نفوذاً وإثارة في السياسة الأميركية الحديثة. التقرير يرصد هذا التبدّل اللافت، من ظهور متكرر لماسك إلى جانب ترامب في بداية الولاية الثانية، إلى شبه اختفاء من المشهد السياسي، وسط مؤشرات على أن الجمهوريين باتوا يفضّلون إبقاء المسافة معه، وربما تجاهله بالكامل.
التقرير لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يتعمّق في تحليل السياق السياسي والرمزي لتحوّل ماسك من “مهندس كفاءة الحكومة” إلى شخصية غير مُرحّب بها في الحملات الانتخابية، بعدما تسبّبت سياساته، وتحالفه مع الرئيس، في سلسلة من الأزمات والانتقادات وحتى الخسائر التجارية.
من الواجهة إلى الهامش قبل أشهر فقط، كان إيلون ماسك يظهر إلى جانب الرئيس ترامب داخل المكتب البيضوي، يُشار إليه باعتباره رمزاً للابتكار والفعالية. لكن في لقاء جمع الرئيس الأميركي بنظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، بدا ماسك صامتاً تماماً، واقفاً على الهامش، فيما اكتفى ترامب بالقول: “إيلون يحب صواريخ المريخ. جاء لهذا السبب”.
هذه اللحظة، وإن بدت بروتوكولية، تختصر الموقف الحالي: ماسك لم يخرج من دائرة التأثير نهائياً، لكنه بات أقل ظهوراً، وأبعد عن القرار، وسط تغيّر واضح في خطاب الإدارة وحملات الحزب الجمهوري تجاهه.
تراجع حاد في الاهتمام تحليل نشره موقع “بوليتيكو” مؤخراً، أشار إلى أن ترامب توقف تماماً عن ذكر ماسك في منشوراته على “تروث سوشال” منذ بداية نيسان / أبريل، بعد أن كان يذكره أربع مرات أسبوعياً في شباط / فبراير وآذار / مارس. كما تراجعت الإشارات إليه في رسائل جمع التبرعات، التي كانت تمجّده يومياً، باستثناء رسالة يتيمة في أيار/مايو للترويج لقبعة ارتداها.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. مسؤولو البيت الأبيض لم يعودوا ينشرون صوره أو يقتبسون تصريحاته. الصحافيون نادراً ما يسألون عنه، وأعضاء الكونغرس – بمن فيهم الجمهوريون – باتوا يتحاشون ربط أسمائهم به.
ماسك نفسه أدرك هذا التحوّل، فأعلن خفض دوره في “إدارة كفاءة الحكومة” إلى يومين فقط في الأسبوع، وتقليص إنفاقه السياسي بشكل “كبير”، مفضّلًا – على ما يبدو – العودة إلى إمبراطوريته التكنولوجية.
من شريك إلى عبء انتخابي في بداية ولاية ترامب الثانية، كان ماسك نجماً سياسياً بامتياز. حضر حفل التنصيب، رافق الرئيس في زياراته، وظهر معه في مقابلات إعلامية. حتى إن ترامب عرض سيارات “تسلا” في حديقة البيت الأبيض، متعهداً بشراء واحدة.
لكن هذا الزخم لم يصمد طويلاً أمام الأرقام. استطلاع أجرته كلية القانون بجامعة ماركيت أظهر أن 58% من الأميركيين لا يوافقون على أداء ماسك في الحكومة، مقابل 41% فقط أبدوا رضاهم. وعلى المستوى الشخصي، كانت النظرة العامة إليه سلبية بنسبة 60%.
رو خانا، النائب الديمقراطي الذي يعرف ماسك منذ سنوات، وصف الأمر بوضوح: “ترامب يتخلّى عن الأشخاص عندما تتراجع شعبيتهم. كان مجرد انبهار أولي”. خانا توقّع منذ البداية أن ماسك لن يصمد في بيئة واشنطن المعقدة، وقال: “واشنطن لا تنحني أمام رجال الأعمال مهما كانت إنجازاتهم”.
وعود مالية ضخمة… ونتائج محدودة أحد أكبر إخفاقات ماسك كانت في وعوده بتقليص ميزانية الحكومة بمقدار 2 تريليوني دولار. لكن، بحسب التقديرات، لم تتجاوز التخفيضات فعلياً 81 ملياراً. الأسوأ من ذلك أن أغلبها طالت مؤسسات مدنية أساسية، دون خطة واضحة.
وقد اعتبرت محاكم فيدرالية أن بعض إجراءات Doge – الجهاز الذي أنشأه ماسك داخل الحكومة – مخالفة للدستور، خاصة ما يتعلق بإقالة مجالس إدارات وهيئات كاملة دون الرجوع إلى الكونغرس. ومع ذلك، كانت الأضرار قد وقعت بالفعل، بدءاً من تفكيك جزئي لـUSAID، وصولًا إلى إفراغ FEMA من ثلث طاقمها قبيل موسم الأعاصير.
“تدمير لا إصلاح” حتى أصوات من داخل الحزب الجمهوري بدأت تتحدث علناً. ريك تايلر، المستشار الجمهوري، قال إن المشروع لم يكن له أي خطة عملية، مضيفاً: “ما حصل لم يكن تقليصاً حكومياً منظماً، بل فوضى منهجية تحت اسم الكفاءة”.
الضرر طال أيضاً سمعة ماسك التجارية. تراجع مبيعات “تسلا”، واحتجاجات أمام معارضها، خاصة بعد دعمه لحزب “البديل لأجل ألمانيا” اليميني المتطرف، كلها مؤشرات على أن الدخول في السياسة كلفه غالياً.
الهزيمة في ويسكونسن… كانت القشة الأخيرة لكن أقسى الضربات كانت في ويسكونسن. هناك، ضخ ماسك أكثر من 3 ملايين دولار لدعم مرشح محافظ في سباق المحكمة العليا. حضر بنفسه، ووزع شيكات، وارتدى قبعة مشجعي “غرين باي باكرز”. لكن النتيجة كانت كارثية: خسر المرشح بفارق 10 نقاط مئوية.
الديمقراطيون استغلوا ظهوره لتعبئة الناخبين، واستخدموا شعارات مثل “الشعب ضد ماسك” – وانتصر الشعب. بعد أيام، قال ماسك من الدوحة: “سأقلّص الإنفاق السياسي مستقبلًا”. رئيس الحزب الديمقراطي في الولاية قال: “أخذ ألعابه وعاد إلى البيت”.
خروج بلا ضجيج ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي، أصبح اسم ماسك عبئاً انتخابياً. تقارير تفيد بأن شخصيات جمهورية بارزة طلبت من ترامب تجنّب الحديث عنه. ويبدو أن الرئيس تجاوب، ولو مرحلياً.
ويندي شيلر، أستاذة العلوم السياسية بجامعة براون، لخّصت ذلك بقولها: “استُخدم كواجهة، ثم أُقصي. ترامب لا يؤمن بأن أحدًا يساهم في شعبيته. وإذا أصبحت عبئاً، تُطوى صفحتك فورًا”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار