الإثنين, 26 مايو 2025 04:42 AM

من حلم العودة إلى كابوس المنع: قصص سوريين عالقين على أبواب الوطن بسبب قيود السفر

من حلم العودة إلى كابوس المنع: قصص سوريين عالقين على أبواب الوطن بسبب قيود السفر

في تحول مأساوي، تحولت العودة إلى سوريا، التي كان من المفترض أن تكون لحظة انتصار إنساني، إلى تجربة مريرة. يروي الناشط والمصور الصحفي يلماز إبراهيم باشا لـ "..." محاولته الفاشلة للعودة إلى وطنه بعد تسع سنوات قضاها في المنفى الأوروبي.

يقول يلماز: "بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول على يد قوى المعارضة السورية، تغيرت حسابات الكثير من السوريين في المنافي الأوروبية... وكنت واحدًا من هؤلاء الحالمين."

قرر يلماز العودة في 14 نيسان، عبر مطار بروكسل، إلى سوريا مرورًا بلبنان. لم تكن الرحلة مجرد سفر، بل "طقس عبور روحي"، كما وصفها، حاملاً وثيقة سفر أوروبية، وذكريات الثورة، وآمالاً بوطن تغير.

وصل إلى مطار هنري كواندا في رومانيا، حيث سارت الأمور بشكل طبيعي. لكن مع الوصول إلى مطار بيروت، بدأت المعاناة. "هبطت الطائرة مع ساعات الفجر الأولى. كنت متعبًا، لكن الأمل كان لا يزال يضيء داخلي. وقفت في طابور الختم، قبل أن يظهر ضابط شاب بعصبية متوترة، يصرخ ويشير بيده كأننا قطعان لا نفهم."

تم نقل الطابور بأكمله من مكان إلى آخر دون تفسير، حتى وصل يلماز إلى شباك الختم، حيث استُقبل ببرود وسؤال وقح: "معك إثبات إنك سوري؟"

"نهض الموظف غاضبًا، ونادى بصوت عالٍ: 'سيدي! سوري!'، كأنها تهمة." تم اقتياده إلى مكتب جانبي، حيث تلقى معاملة أشبه بالتحقيق الأمني. الضابط المسؤول، الذي قدم نفسه باسم حسين، بدأ بالصراخ: "شو بدنا نعمل فيك؟ مفكر حالك جاي على سوريا؟ هيدا لبنان يا زلمة!" ثم لمح إلى أن الفيزا تتطلب 800 دولار.

يوضح يلماز أنه وفقًا للتفاهمات السارية حينها، يمكن للسوري الذي يملك إثبات جنسية العبور من لبنان إلى سوريا دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة، بخلاف الركاب الآخرين. إلا أن هذه المعلومات لم تؤخذ بعين الاعتبار.

يقول يلماز إنه شعر بأنه مستهدف، ورفض دفع أي مبلغ، مؤكدًا أنه ليس في زيارة للبنان بل عابر إلى سوريا. لكن الرد كان قاسيًا: صودرت أوراقه، وفُتش تفتيشًا مهينًا، ثم أُعيد إلى الطائرة نفسها التي جاء بها، دون حتى أن يُسمح له بالتواصل مع السفارة السورية.

"خرجت من مطار بيروت وأنا أدرك أنني لم أغادر دولة، بل مررت بمزرعة تحكمها عصابات."

لم يكن يعلم يلماز حينها أن تجربته كانت مقدمة لتشريع رسمي. ففي 19 أيار 2025، أصدرت المديرية العامة للأمن العام اللبناني تعميمًا موجهًا إلى جميع شركات الطيران، ينص على عدم السماح للسوريين الراغبين بالذهاب إلى سوريا مرورًا عبر مطار رفيق الحريري، إن لم تكن لديهم إقامة صالحة لأكثر من 6 أشهر في الخارج. كما أُلزم من لا يستوفي هذا الشرط بالعودة على متن الطائرة التي قدم عبرها.

إضافة إلى ذلك، فرضت السلطات اللبنانية رسومًا قدرها مليون ليرة لبنانية (ما يعادل نحو 11 دولارًا) على كل مسافر غير لبناني يعبر الحدود البرية، في خطوة تزيد العبء المالي على السوريين، وخصوصًا أولئك الذين يعيشون ظروفًا صعبة أو غير قانونية في بلدان إقامتهم.

هذه السياسات تعرقل بشكل مباشر حرية تنقل السوريين، وتحول دون حقهم الطبيعي في العودة إلى وطنهم أو حتى عبور لبنان كنقطة ترانزيت. كما أن شرط الإقامة الطويلة غير ممكن التحقق منه في كثير من الحالات، ما يخلق حالات طرد تعسفي، ويمهد لممارسات تمييزية غير معلنة.

من خلال هذا التعميم، يتحول المطار الدولي الوحيد المتاح أمام العديد من السوريين إلى بوابة صد، بدل أن يكون ممرًا للعودة. والبدائل الأخرى، مثل الأردن، تتطلب موافقات أمنية وتعقيدات بيروقراطية لا تقل صعوبة.

رغم هذه الصدمات، لم يتراجع يلماز عن حلم العودة. قال في ختام حديثه لـ "...": "لم أفقد الأمل. سوريا التي حلمت بها لا تزال في قلبي. وسأعود. لكن هذه المرة، من بوابة الأردن، بعد أن حصلت على الموافقة الأمنية والتأشيرة."

مشاركة المقال: