عبد القادر حصرية: بعد عقد ونيف من الحرب، تواجه سوريا تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة. دُمر أكثر من نصف البنية التحتية، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 60%، ويعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر. بينما ركز العالم على المأساة الإنسانية والسياسية، ظل البعد الاقتصادي مهمشًا.
التحولات السياسية الأخيرة، كإعلان إدارة الرئيس الأميركي رفع العقوبات، تفتح نافذة لإعادة بناء اقتصاد أكثر مرونة واستقلالية. هذا يتطلب إصلاحًا جذريًا يبدأ من مصرف سوريا المركزي.
تجربة مصرف سوريا المركزي معقدة بسبب الضغط السياسي الدولي والعقوبات الغربية، التي أثرت في قدرته على إدارة العملة والحفاظ على الاستقرار النقدي وتمويل الواردات. رفع العقوبات يمثل فرصة لتجديد الانخراط الدولي واستعادة الثقة.
لتحقيق التعافي، يجب أن يتحول المصرف المركزي إلى محفز استراتيجي للنمو والاستقرار، وذلك عبر ثلاث جبهات:
- تحديث السياسة النقدية: تبني نظام "استهداف التضخم" باستقلالية مؤسسية وشفافية، وتحسين جودة البيانات، واستقرار سعر الصرف.
- إعادة بناء النظام المالي: تحويل المصارف إلى محركات للإقراض والاستثمار، وتعزيز معايير كفاية رأس المال والحوكمة، وتوجيه التمويل نحو مشاريع إنتاجية. مصارف إقليمية أبدت اهتمامًا بالاستثمار بعد رفع العقوبات.
- الانفتاح على النظام المالي العالمي: جذب تدفقات رأسمالية خارجية، وبناء بيئة استثمارية شفافة، ومكافحة غسل الأموال. السوريون في المهجر يمثلون شريكًا محوريًا.
يهدف مصرف سوريا المركزي إلى إعادة مواءمة السياسات مع المعايير العالمية، وتبني أطر الحوكمة والشفافية، وتطبيق معايير "بازل" لإدارة الأخطار. هذا يهدف إلى تمكين النظام المصرفي السوري من الاندماج في النظام المالي العالمي.
سوريا لا تطلب تبرعات، بل شراكات قائمة على المصالح المتبادلة. استقرار سوريا مصلحة إقليمية ودولية. نرحب بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية لبناء القدرات وتبني أفضل الممارسات.
المصرف المركزي يحمل عبء توجيه البوصلة نحو اقتصاد مستقر ومنفتح. النجاح يتوقف على تحويل فرصة رفع العقوبات إلى انطلاقة حقيقية نحو التعافي.