في قلب دمشق، يواصل حرفيون مخلصون الحفاظ على فن الفسيفساء الخشبية، تجسيدًا للجمال والإرث الفني للمدينة، رغم التحديات المتزايدة وخطر اندثار هذه الحرفة الفريدة بسبب قلة الإقبال عليها من الشباب.
تعتبر دمشق مركزًا رئيسيًا لفن الفسيفساء الخشبية منذ قرون، حيث يعود تاريخ هذا الفن اليدوي إلى الحقبة العثمانية. لطالما زينت الفسيفساء الخشبية القصور والمساجد والبيوت والقباب، تاركة بصمة جمالية واضحة في الهوية المعمارية للمدينة.
بأناقة الفن الإسلامي الهندسي، تحول الفسيفساء الخشبية الخشب إلى مرآة تعكس روح دمشق وجمالها المعماري. انتقلت هذه الحرفة عبر الأجيال من خلال علاقة المعلم بالتلميذ، واستمرت ممارستها بالصبر والعمل اليدوي المتقن.
يتم تركيب قطع صغيرة من أنواع خشبية مختلفة بدقة متناهية لتشكيل أنماط هندسية فريدة، ثم تُزين بإضافات من عرق اللؤلؤ، لتتحول إلى صناديق وكراسي وطاولات وصناديق مجوهرات وإطارات مرايا تجمع بين القيمة الوظيفية والفنية.
تنتشر الورش التقليدية لفن الفسيفساء الخشبية في دمشق، خاصة في أحياء المدينة القديمة مثل باب شرقي وباب توما والميدان. يبذل الحرفيون جهودًا مضنية تمتد لأيام أو حتى أشهر لإنتاج قطعة واحدة تعتبر عملًا فنيًا متكاملًا.
تعتبر عائلة الحموي، التي تعمل في ورشتها في باب توما، من آخر العائلات التي تحافظ على هذه المهنة. الأخوان الحموي، المنتميان إلى عائلة دمشقية مسيحية، يعملان معًا في الورشة التي ورثاها عن والدهما منذ نحو 60 عامًا، محافظين بذلك على هذا الإرث الثقافي.
لكن الحرفيين يواجهون صعوبات عديدة، ليس فقط اقتصادية، بل أيضًا بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي التي تعطل العمل. ومع ذلك، يكمن أكبر تهديد في غياب جيل جديد يرغب في تعلم هذه المهنة.
الأخوان الحموي، اللذان يسعيان للحفاظ على فن الفسيفساء الخشبية التقليدية في دمشق، تحدثا لمراسل الأناضول عن تفاصيل المهنة والمشكلات التي يواجهونها وجهودهم في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي.
إيلي الحموي، البالغ من العمر 66 عامًا، ورث المهنة من والده، لكنه اشتكى من عدم رغبة ولديه في تعلمها. وأكد أن فن الفسيفساء الخشبية حرفة بالغة الصعوبة وتتطلب صبرًا ومشقة كبيرين.
جهاد الحموي، الذي يعمل في هذه المهنة منذ عام 1980، أوضح أن المهنة لم تعد تحظى بالتقدير الذي كانت تحظى به في السابق، وأن التجار يرغبون في الحصول على كل شيء بثمن زهيد. وأشار إلى أن تجهيز قطعة واحدة قد يستغرق شهورًا، مؤكدًا أن العمل اليدوي لا يقدر بثمن.
ختم جهاد الحموي حديثه بالإشارة إلى أنهم تلقوا عروضًا للعمل في الخارج، لكن والدهم رفض ذلك، مؤكدًا أنهم كانوا قبل عقود يصدرون منتجاتهم إلى مختلف دول أوروبا.