الأحد, 25 مايو 2025 11:06 PM

سوريا واقتصاد المستقبل: هل يكفي رفع العقوبات لتحقيق الازدهار؟ تجارب رواندا وتشيلي كدروس مستفادة

سوريا واقتصاد المستقبل: هل يكفي رفع العقوبات لتحقيق الازدهار؟ تجارب رواندا وتشيلي كدروس مستفادة

يؤكد وزير الاقتصاد السوري على حاجة البلاد إلى اقتصاد مبادر لا تابع، مشيراً إلى أن رفع العقوبات ليس نهاية الأزمة بل بداية تحدٍ جديد. يهدف هذا التصريح إلى إدارة التوقعات ومنع التحول إلى وهم التحسن السريع، وهي خطوة واقعية وشجاعة تحسب للوزير.

سناك سوري – بلال سليطين

الاقتصاد المبادر، كما وصفه الوزير نضال الشعار، يرتكز على إنتاج المعرفة، ابتكار الحلول، والاستثمار في الإنسان والتعليم النوعي، وفق رؤية وطنية مستقلة ومصلحة وطنية. تحقيق طموح سوريا بأن تصبح مثل سنغافورة يتطلب اقتصاداً يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا.

بالمقابل، الاقتصاد التابع يستهلك ولا ينتج، وينفذ ولا يخطط، ويتأثر بالسياسات الاقتصادية العالمية دون تأثير فيها، مثل الدول المصدرة للمواد الخام والمستوردة للمصنعة.

تجارب ملهمة.. رواندا وتشيلي

بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت ألمانيا وكوريا الجنوبية اقتصاداً مبادراً، لكن تجربتي رواندا وتشيلي قد تكونان الأقرب للسياق السوري.

رواندا، بعد الإبادة الجماعية التي أودت بحياة 800 ألف شخص، اختارت طريق الاقتصاد المبادر. تشترك رواندا مع سوريا في انهيار المؤسسات، الاقتصاد، البنية التحتية، والانقسام الاجتماعي.

ما يمكن تعلمه من تجربة رواندا أنه لا اقتصاد من دون مصالحة مجتمعية وعدالة انتقالية شاملة.

رواندا أولت المصالحة الأولوية، مما مهد الطريق للنهوض. اليوم، يمكن رؤية عائلات كانت متقاتلة تعيش جنباً إلى جنب، وتتشارك الأعمال التجارية والصناعية والتعليم في أجواء من المصالحة والسلام. تم بناء الدولة على أسس الوحدة الوطنية والمواطنة، مما أدى إلى نمو اقتصادي مستقر. اتخذت رواندا خطوات دقيقة نحو عدم التمييز في العدالة، والاستثمار في الإنسان والتكنولوجيا، والإيمان بأن الحوكمة، تمكين المرأة، ومحاربة الفساد ضروريات. ومع ذلك، ركزت على الاستقرار والتنمية على حساب الديمقراطية، مما أدى إلى تحول الرئيس إلى دكتاتور.

أما تشيلي، في أمريكا اللاتينية، فهي نموذج للتحول الليبرالي والانفراج الديمقراطي، مدعومة من أمريكا. بدأ التحول بخصخصة واسعة للقطاع العام، تحرير التجارة، خفض الضرائب، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، وهو ما يشبه التحول الاقتصادي الحالي في سوريا. نجحت تشيلي في أن تصبح من أكثر الاقتصادات استقراراً في أمريكا اللاتينية، لكن على حساب الإنسان. في التسعينيات، أعادت النظر في السياسات الاجتماعية، وأجرت تصحيحاً جوهرياً لدعم الصحة، التعليم، والفقراء. تشيلي اليوم من أكثر الدول جاذبية للاستثمار في أمريكا اللاتينية، وتصنف من قبل البنك الدولي كدولة متقدمة في سهولة ممارسة الأعمال، وتعتمد الزراعة التقنية وتصدّر المنتجات الزراعية، وتدعم الابتكار والتحول الرقمي.

سوريا.. العقوبات والفرص

العقوبات شكلت عائقاً للاقتصاد السوري، لكن رفعها ليس حلاً سحرياً. الحل يكمن في حسن إدارة الموارد. لبناء اقتصاد مبادر، يجب النظر إلى تجارب الدول الأخرى المشابهة. العدالة الانتقائية تخلق انعدام الثقة وعدم الاستقرار، وتعطّل أي مبادرة اقتصادية جادة. وعندما لا تكون المصالحة أولوية، يستمر الانقسام الاجتماعي في تعطيل النمو.

اعتماد نظام الاقتصاد الحر يتطلب انفتاحاً موازياً للحياة السياسية، وإلا سيؤدي إلى انفتاح اقتصادي منقوص يقوم على الفساد. الإعلام الحر والمستقل ضروري للرقابة والمساءلة. العدالة والمساواة والدولة القائمة على المواطنة ضرورية لجعل الإنسان قلب التنمية.

الاقتصاد مرتبط بالسياسة، الأمن، المجتمع، البنى التحتية، والموارد، وكذلك بالعقوبات. بناء الاقتصاد يبدأ من بناء دولة صديقة لمواطنيها، تقوم على الشراكة، العدالة، الحرية، المصالحة، وحقوق الإنسان. عندها قد يمطر الاقتصاد أموالاً على السوريين، وهو ما لا يمكن أن يحدث برفع العقوبات وحده.

مشاركة المقال: