الأحد, 25 مايو 2025 08:49 PM

خبير اقتصادي يقترح "أجندة استراتيجية" لإعادة بناء سوريا: من أين نبدأ الإصلاح؟

خبير اقتصادي يقترح "أجندة استراتيجية" لإعادة بناء سوريا: من أين نبدأ الإصلاح؟

من أين نبدأ؟ سؤال يتردد صداه بقوة في ظل الأولويات المتراكمة لإصلاح وإعادة إعمار سوريا. مهمة ترتيب الأولويات تعتبر من أصعب التحديات التي تواجه السوريين، وتتطلب وقتاً وجهداً كبيرين نظراً للوضع الراهن للبلاد.

صحيفة "الحرية" طرحت هذا التساؤل، وبدأت في جمع إجابات من خبراء وطنيين ومهتمين بالشأن السوري.

• د. فاخر قربي: تصور لمستقبل سوريا الاقتصادي في ظل التحديات الداخلية والخارجية وترجمة هذا التصور في خطة شاملة طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

خطة ممنهجة

الخبير الاقتصادي والتنموي الدكتور فاخر قربي، أكد على ضرورة وضع منهاج وخطة واضحة المعالم لإعادة الإعمار، مشيراً إلى أن "عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى خريطة طريق واضحة تحدد أولويات التنفيذ".

ويرى أن التنمية ليست مجرد عملية مالية، بل تتطلب تبني سياسات إدارية وهيكلية فعالة، وأن الإصلاح الاقتصادي يبدأ من رؤية مستقبلية واضحة لتصورين أساسيين:

  1. تصور لمستقبل سوريا الاقتصادي في ظل التحديات الداخلية والخارجية وترجمة هذا التصور في خطة شاملة طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  2. تصور للنظام الاقتصادي السوري المستقبلي.. أي وضع تصور لمستقبل سوريا الاقتصادي وخطة التنمية الشاملة.
• لا بد من أن تقوم سوريا بتحديد الإطار النظري للاقتصاد الذي تريده لنفسها في المستقبل وتحديد دور كل من القطاع الخاص والعام ودور التخطيط ونظام السوق في توزيع الموارد فيه

ويتطلب ذلك وضع تصور لمستقبل سوريا الاقتصادي في ضوء مواردها الطبيعية والبشرية، وإمكانياتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي، بالإضافة إلى متطلبات العولمة الاقتصادية وواقع انضمام سوريا إلى الشراكة الاقتصادية العربية-العربية في ظل مشروع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتوقع انضمامها للشراكة الأوروبية المتوسطية.

تصور بانورامي

يشير د. قربي إلى ضرورة وضع تصور لأولويات سوريا الاقتصادية وعلاقاتها التجارية والاستثمارية المستقبلية ودورها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وترجمة هذا التصور إلى خطة تنمية شاملة تركز على النمو ونوعيته، وعلى العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر، وعلى تطوير التعليم وتنمية القدرات البشرية والتكنولوجية المحلية، مع التأكيد على تنمية كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد الوطني ضمن استراتيجيات تضع تعظيم التصدير وزيادة فرص العمالة في أولى أولوياتها.

• يتطلب برنامج الإصلاح برنامجاً زمنياً، ويتوجب أن يكون شاملاً عريض القاعدة وذلك بسبب ترابط إجراءات وخطوات الإصلاح نفسها وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض.

ويؤكد على أن رفع القدرات البشرية والعلمية والتكنولوجية لزيادة معدلات الإنتاجية، ولكي نستطيع المنافسة في زمن العولمة، عملية مجتمعية شاملة تتطلب ثقافة جديدة تشمل تطوير المجتمع القائم على العملية الإنتاجية مباشرة والمجتمع القائم وراء هذه العملية، فهي عملية تحتاج لنمط جديد في العمل والتفكير لدى كل من صاحب القرار وموظف الدولة ومدير المنشأة والعامل وكل فرد يقدم خدمة أو سلعة، نمط يعتمد على التحليل والتفكير والتخطيط والإبداع والابتكار، وقادر بنفس الوقت على استخدام تكنولوجيا المعلومات الجديدة في كل مجال، وملتزم التزاماً دقيقاً بمبدأي التخطيط والإتقان في العمل.

ويتطلب ذلك وضع التطوير التربوي في البيت كما في المدرسة، ضمن أولويات الإصلاح والتنمية حتى نستطيع تحرير العقل وتخليصه من موروثات فكرية وأسطورية قديمة ومن أساليب اتكالية في التفكير‌‎ في العمل وفي أداء الواجب، ومن جهة ثانية يتطلب هذا التطوير الشامل تطوير وتوسيع وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، بحيث تشارك هذه المؤسسات في صنع القرار وفي اقتراح الخطط وفي المتابعة والمحاسبة والمساءلة لضبط الأخطاء.

رؤية للأفق المقبل

يجزم الخبير قربي بأنه لا بد من أن تقوم سوريا بتحديد الإطار النظري للاقتصاد الذي تريده لنفسها في المستقبل، وتحديد دور كل من القطاع الخاص والعام ودور التخطيط ونظام السوق في توزيع الموارد فيه، وخاصة بعد التحولات الهيكلية الجذرية التي تمت في الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة، والتي رفعت نسبة مساهمة القطاع الخاص فيه إلى حوالي 60% من الدخل القومي ورفعت حصة القطاع الخاص في التجارة الخارجية خارج النفط إلى حوالي 70%، وحصته في الاستثمار إلى التساوي مع حصة القطاع العام.

ويضيف أنه من دون هذا التحديد سيستمر التخبط النظري وستأتي خطوات الإصلاح ناقصة أو متناقضة.

• إما قطاع عام اقتصادي بوظيفة اجتماعية توفر العمالة وسبل العيش للعديد من الفئات الاجتماعية أو قطاع عام كفوء بوظيفة اقتصادية قادر على لعب دور قيادي فعال في العملية الإنتاجية

ويجب أن يسعى الإطار النظري الجديد إلى التوفيق بين مفاهيم النظام الاقتصادي العالمي الجديد والثوابت الاقتصادية التي تريد سوريا الحفاظ عليها، وكذلك تحديد دور جديد للدولة، هذا الدور الذي لابد وأن يكون مختلفاً في نوعيته عن الدور السابق لها، وقد يكون دوراً أكبر منه، يركز على التخطيط التأشيري وعلى القضايا الاجتماعية والتنمية البشرية والتكنولوجية وعلى تعزيز المنافسة في السوق وعلى الحماية من مخاطر الاحتكار ومن تهديدات العولمة.

ويضيف: أعتقد أنه بإمكاننا الحفاظ على مفهوم "الوطنية الاقتصادية" في ظل نظام السوق والعولمة، وذلك من خلال التركيز على التنمية البشرية والتقدم العلمي والتكنولوجية ومن خلال التشجيع على الاستثمار وعلى التصدير (الذي يخفف من الاعتماد على المساعدات الخارجية) ولكن من خلال الحماية الجمركية.

أهداف

ينصح محدّثنا بأنه يجب أن يوضع الإصلاح الاقتصادي في مكانه الصحيح استناداً إلى التجارب التي مرت بها الدولة التي اعتمدت في السابق منهج الإصلاح الاقتصادي المعتمد على وصفة البنك والصندوق الدوليين.

• لا يمكن أن يتم الإصلاح الاقتصادي بنجاح ما لم يتم لجم الفساد والعمل على تكافؤ الفرص وتوفير الشفافية

ويضيف أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يكون وسيلة لإدارة الطلب من جهة وتحفيز الإنتاج من جهة ثانية، ولكن يجب أن يكون كذلك مرتبطاً بخطة التنمية الاقتصادية طويلة الأجل وخطة التنمية الاجتماعية. فالتحرير الاقتصادي غير المرتبط بخطة لتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة الإنتاجية يشكل خطراً على الاقتصاد الوطني والإصلاح غير المرتبط ببرنامج لمعالجة الفقرة والبطالة بشكل مباشر يشكل خطراً على السلم الاجتماعي.

ويكون برنامج الإصلاح في سياق حزمة أهداف استراتيجية حقيقية، تبدأ بإدارة الطلب الكلي وتحقيق التوازنات في الاقتصاد الكلي وأهمها احتواء التضخم.. ثم تعبئة كافة الطاقات المادية والبشرية في الوطن لخدمة عملية التنمية.. وزيادة الكفاءة في الأداء الاقتصادي وفي توزيع الموارد.. إضافة إلى خلق المناخ المحفز للاستثمار طويل الأجل وتوفير الفرص المتكافئة للجميع…ورفع عائدية الاستثمار من خلال إزالة العقبات والجمودات في البيئة الإنتاجية، ومن خلال إقامة البيئة التنظيمية والتشريعية السليمة لعمل كل من القطاعين العام والخاص وزيادة قدرة كل منهما على التحرك السريع لمواجهة متطلبات السوق المتغيرة باستمرار.. إلى جانب تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر (وليس المحفظي) مع توجيه هذا الاستثمار نحو أولويات التنمية المحلية من خلال الحوافز… ولا ننسى منع الاحتكار وتعميق المنافسة في السوق.

والنقطة المحورية هي الحفاظ على شبابنا ومتعلمينا داخل الوطن من خلال توفير المناخ اللازم لهم للاستثمار والعلم والإبداع والابتكار والحفاظ على الكرامة.

منطلقات

يرى قربي أنه ينبغي أن يبدأ إعداد برنامج الإصلاح من جملة منطلقات تؤخذ بعين الاعتبار.. أولها: البرنامج الزمني والشمولية. فبرأيه يتطلب برنامج الإصلاح برنامجاً زمنياً، ويتوجب أن يكون شاملاً عريض القاعدة وذلك بسبب ترابط إجراءات وخطوات الإصلاح نفسها وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض.

النقطة الثانية: تتابع الإصلاحات وتقرير السرعة في الإصلاح.. فمن وجهة نظر الباحث قربي الإصلاح المتدرج هو الأفضل، ولكن يبقى السؤال، أي تدرج وأي سرعة، وعلينا إيجاد التوازن السليم بحيث نصل إلى عملية إصلاحية ديناميكية نشطة وفعالة، ولكن نحافظ بنفس الوقت على الاستقرار الاجتماعي. ولا بأس أن يكون الإصلاح الاقتصادي تحت عنوان "الإصلاح المتدرج المكثف".

أما النقطة الثالثة فهي: القرار الاقتصادي المستقل.. وهنا يشير إلى أن الإصلاح الاقتصادي لا يعني التنازل عن القرار الاقتصادي السوري المستقل بل يجب أن يكون من صنع سوري، وأن يكون دور مؤسسات التنمية الدولية والعربية فيه دور المقدم للدعم والتموين وليس إعداد البرنامج، فالإصلاح نريده لحاجة لنا، استجابة لمتطلبات تنميتنا، ولنصبح أقوياء في عصر العولمة، لا لتلبية رغبات ووجهات نظر خارجية.

معوقات

لم يغفل د. قربي عن أن برنامج الإصلاح سيتعرّض لصعوبات في إعداده كما في تنفيذه لاعتبارات فكرية واعتبارات سياسية واعتبارات اجتماعية، وفوق ذلك وذاك سيعارضه المنتفعون من الأمر الواقع سواء كانوا في السلطة، أو في الخدمة المدنية أو في القطاع الخاص. لذلك يتطلب برنامج الإصلاح لنجاحه وحتى نضمن الوضوح فيه والتأييد السياسي والشعبي له..وضوح الخلفية الفكرية وراء برنامج الإصلاح.. والتأييد السياسي له على أعلى المستويات.. ثم مشاركة المجتمع المدني في إعداده بما فيه رجال الأعمال والمنظمات النقابية.. وتوفر الفريق المتجانس في إعداده وتطبيقه… إلى جانب تعميق ثقافة نظام السوق والمعرفة بأدواته في النظام الإداري في الدولة.

أما بالنسبة للمعالم الرئيسية لبرنامج الإصلاح فيرى الخبير قربي أنه أن برنامج الإصلاح يجب أن يتضمّن شقين: شق يعنى بإدارة الطلب الكلي..وشق يعنى بزيادة العرض الكلي السلعي والخدمي.

ويتضمن الشق المتعلق بإدارة الطلب الكلي السياسات النقدية والمالية والسعرية بينما يتضمن الشق المتعلق بزيادة العرض الكلي إقامة البيئة التشريعية والتنظيمية اللازمة لتسهيل العملية الإنتاجية في القطاعين العام والخاص والعمل على إعادة هيكلة البنية الإنتاجية في القطاعين العام والخاص.

في إدارة الطلب الكلي والسياسات المالية والنقدية يرى د. قربي أن الانضباط المالي أساسي في عملية الإصلاح الاقتصادي وذلك لاحتواء التضخم وتمكين الحكومة من توفير التمويل للقيام بمهماتها الاجتماعية والاقتصادية.. ولكن لا بد من وضع السياسة المالية في خدمة نمو الاقتصادي أو لا تستخدمها حسب متطلبات الحركة الاقتصادية ومعدلات التضخم.

في السياسة المالية يقترح القيام بمراجعة عميقة وشاملة للإنفاق الاستثماري والإداري في الموازنة العامة للدولة يتبعه القيام بترشيد لهذا الإنفاق، لإضافة إلى جهود التحصيل وإصلاح التشريع الضريبي. والحد من الإعفاءات الضريبية المطلقة، لا بل والعمل على ترشيقها وتخفيضها تدريجياً واستبدالها بحوافز ضريبية تشجع مباشرة على التأهيل المهني والتدريب وعلى خلق فرص العمل وتدعيم القدرات التكنولوجية المحلية بما فيها قيام الوحدات الإنتاجية بجهود البحث والتطوير.

وفي السياسة النقدية يلفت إلى أنه من الضروري تفعيل هذه السياسة، من خلال تحريك أسعار الفائدة للتأثير على كل من العرض والطلب، وإعادة هيكلة سلم الفوائد الدائنة والمدينة والتنسيق بينهما.

فعلى مستوى تحفيز العرض السلعي، يبيّن أنه من ناحية العرض، هناك جانب البيئة التشريعية والتنظيمية التي تنظم العمل الاقتصادي وهناك جانب إعادة هيكلة المؤسسات الإنتاجية والخدمية.

تشريع

نصل الآن التشريع.. فهو حيثية بالغة الأهمية، إذ يرى الباحث الاقتصادي ضرورة إقامة بيئة تشريعية وتنظيمية سليمة كشرط لازم يفرض نفسه في رؤية الإصلاح وفقاً للدكتور قربي، فهو يرى ضرورة إجراء معالجة شاملة للقوانين والتشريعات القائمة ومنها قانون التجارة، وقوانين كل من الاستثمار والضرائب والعمل والإيجار وقانون العلاقات الزراعية وتطوير أنظمة الإفلاس وحل المنازعات والتحكيم. وإضافة تشريعات جديدة تمنع الاحتكار وتعزز المنافسة في السوق.. وتعزيز سلطة القانون..ثم مراجعة أنظمة الاستيراد والتصدير وأساليب الحماية وهيكل الرسوم الجمركية…والتسريع في سياسة الانتقال من المنع الكلي للاستيراد واستبداله بالحماية عن طريق الرسوم الجمركية.

وإعادة هيكلة البيئة الإنتاجية في القطاعين العام والخاص إذ يجب أن يشمل تحفيز زيادة العرض السلعي القيام بإعادة هيكلة البنية المالية والإدارية والنقدية للمؤسسات الإنتاجية في القطاعين العام والخاص للارتقاء بقدراتها الإنتاجية ولإعدادهما للدخول إلى النظام الاقتصادي العالمي. كما يتضمن إقامة وتسهيل إقامة المؤسسات المساندة لعملها كالمؤسسات المصرفية المتطورة والمدن الصناعية المخدمة ومؤسسات الاستشارات المالية والفنية والنقدية.

القطاع العام

يرى الدكتور قربي أن القطاع العام تعرّض في السنوات الأخيرة لمنافسة شديدة من القطاع الخاص. إلى جانب احتواء القطاع العام لفائض عمالي كبير يحقق وظيفة اجتماعية لكنه يرفع من كلفته ويقلص من إنتاجيته.

وتبعاً لمشاكل القطاع العام المتراكمة والحادة وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، فقد أصبح من الضروري القيام بدراسة متعمقة وموضوعية للقطاع العام الاقتصادي من أجل إعادة هيكلة بنيته المالية والإدارية والتقنية.. وإيجاد آلية جديدة لعمله لإعطائه المزيد من الاستقلالية والمرونة في الحركة… ورفع أجور عماله بحيث تتقارب أو تتساوى مع أجور القطاع الخاص.

ولكي تكون الدراسة مفيدة وموضوعية وبناءة، يجب أن تبدأ من السؤال الجوهري: لماذا نريد القطاع العام الاقتصادي، وما هو دوره في العملية الإنتاجية وأين حدود هذا الدور، وهل للقطاع العام وظيفة اقتصادية فقط أم وظيفة اجتماعية كذلك.

الرواتب

في مضمار البحث عن الحلول أعلاه يُفضّل الباحث الاقتصادي أن نكون واقعيين وصريحين، وخاصة فيما يتعلق برفع الأجور وموضوع الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية، ويرى أننا قد نستطيع إعادة الهيكلة لمؤسسات القطاع العام وقد نستطيع وضع آلية جديدة لعمله، ولكن هل يمكن جعل القطاع العام ديناميكياً فاعلاً يستطيع الحفاظ على خبراته البشرية الحالية واستقدام خبرات جديدة، من دون أن يرفع مستوى أجوره لتتقارب أو لتتساوى مع أجور القطاع الخاص؟.

والخيار هنا واضح وصريح.. إما قطاع عام اقتصادي بوظيفة اجتماعية توفر العمالة وسبل العيش للعديد من الفئات الاجتماعية، أو قطاع عام كفوء بوظيفة اقتصادية قادر على لعب دور قيادي فعال في العملية الإنتاجية، وقادر على المنافسة والتوسع وخلق فرص عمل للمجموعات الجديدة الوافدة إلى سوق العمل وقادر كذلك على اختراق الأسواق العالمية.

معايير

يجزم د. قربي بأنه لابد من تعديل مقاييس النجاح في القطاع العام الاقتصادي بحيث يصبح الربح هو المعيار الرئيسي للنجاح وليس تحقيق الخطة الإنتاجية. ودمج بعض الشركات ذات النشاط الواحد والتخلص من تلك المستعصية على الحل أو المنتجة لسلع استهلاكية بسيطة لا تستحق أن تبقى في القطاع العام.

القطاع الخاص

من وجهة نظر الأكاديمي الدكتور فاخر قربي: لكي نجعل القطاع الخاص قطاعاً ديناميكياً أكثر إنتاجية وأكثر التزاماً بالتنمية وبالاستثمار طويل الأجل، وأقل اعتماداً على نشاط الوساطة والربح السريع، ينبغي العمل على أربعة أصعدة. تبدأ بمنحه الأمان الحقيقي من خلال تأكيد حق الملكية الفردية الخاصة قولاً وعملاً. وإجراء التعديلات اللازمة في البيئة التشريعية والتنظيمية القائمة المتعلقة بالعمل التجاري والاستيراد والتصدير وقوانين وأنظمة القطع وكذلك التشريعات اللازمة لمنع الاحتكار ولتشجيع المنافسة في السوق.

المصارف

الإصلاح المصرفي بالعموم ضرورة لتأمين "محركات" الدفع القوية للاقتصاد.. وهنا يفرد د. قربي جزءاً من إجابته لهذا القطاع، ويرى أنه أصبح من الواضح أن النظام المصرفي القائم في سوريا يفتقد إلى القدرة على تعبئة المدخرات المحلية وتحويلها إلى استثمارات وطنية فاعلة، ويفتقد إلى القدرة على نقل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد العولمة، كما يفتقد إلى القدرة على الإسهام في عملية الإصلاح الاقتصادي، من خلال مساهمته في إعادة هيكلة المؤسسات الإنتاجية والخدمية في القطاعين العام والخاص، وتوفير التمويل اللازم والمشورة اللازمة لهما لدعم انطلاقتهما.

العدالة الاجتماعية

هنا ثمة علاقة جدلية لا يغفل عنها الخبير الاقتصادي والتنموي، وهي الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. فكما دلت التجارب في دول أخرى، ثمة احتمال تزايد فروقات الدخول بين الطبقات في مراحلها الأولى: مزيد من الأغنياء ومزيد من الفقراء بسبب سياسات تحرير لأسعار وترشيد الدعم الاستهلاكي ووقف التوظيف الاجتماعي من الدولة، ثم احتمال ظهور طبقات طفيلية تستفيد من الثغرات خلال مرحلة الانتقال إلى نظام السوق.

مكافحة الفساد

نصل الآن إلى تعزيز مسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد.. إذ يزداد الاقتناع بأنه لا يمكن أن يتم الإصلاح الاقتصادي بنجاح ما لم يتم لجم الفساد والعمل على تكافؤ الفرص وتوفير الشفافية، ومن دون ذلك يرى د. قربي أنه سيتم هدر المال العام الذي يحتاجه المجتمع لكل من عملية التنمية وعملية التصحيح وتخفيف أعبائها على الفقراء… وستتخذ قرارات اقتصادية تخدم أصحاب النفوذ ولا تخدم المصلحة الوطنية العامة… كما سيظهر الإثراء غير المشروع وتزداد الفروقات بين الطبقات… وستخرج الأموال المحصلة نتيجة الفساد إلى خارج البلاد.

المجتمع المدني

يرى الخبير قربي أنه لا بد وأن تتضمن التنمية بمضمونها بمفهومها الشامل الجديد تفعيل مؤسسات المجتمع المدني بكافة شرائحه لتعمل جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة وبحيث تشارك هذه المؤسسات أولاً في صنع القرار وفي اقتراح الخطط وثانياً في المتابعة والمحاسبة والمساءلة.

مرونة القرار الاقتصادي

يحذّر د. قربي من البطء في اتخاذ القرار الاقتصادي أو غياب هذا القرار في الوقت المناسب يشكل مشكلة رئيسية في سوريا، وسيشكل استمرار هذا النمط في تنفيذ برنامج الإصلاح مشكلة كبيرة.. ويرى أن سبب بطء أو غياب القرار الاقتصادي في سوريا يعود أولاً إلى المركزية الشديدة المتمثلة في المجالس العليا وفي اللجان المتعددة التي تسلب الوزرة المختصة صلاحياتها.. ويعود ثانياً إلى تشابك المسؤوليات في اتخاذ القرار الاقتصادي، والنابع من وجود قناتين على الأقل في صنع القرار الاقتصادي، قناة الدولة وقناة التنظيم.

مشاركة المقال: