نشرت منظمة العفو الدولية نتائج تحقيق موسع بالتعاون مع صحيفة La Chronique و”مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا CVDCS، حول هجوم دوما، تحت عنوان “عملية الكذب”.
كشف التحقيق تفاصيل غير مسبوقة عن حملة تضليل منهجية ومخطط لها بعناية هدفت إلى طمس حقيقة الهجوم الكيميائي الذي هز مدينة دوما في ريف دمشق يوم 7 نيسان 2018، مع توجيه الاتهامات إلى المعارضة السورية.
أكد التقرير وجود تورط واضح لمسؤولين كبار في نظام الأسد وضباط روس في هذه العملية التي وصفها التقرير بأنها “محاولة فبركة شاملة”، لهجوم بغاز الكلور أودى بحياة 43 مدنيا بينهم نساء وأطفال.
أشار التقرير إلى أن عملية التضليل تضمنت إكراه الشهود وتزييف الحقائق. فبعد الهجوم مباشرة، بدأت آلة النظام في العمل على طمس الحقيقة، وفقا لما رواه الدكتور حسن عيون، طبيب الطوارئ في مستشفى دوما، حيث شرح كيف تعامل مع عشرات المصابين بأعراض التسمم الكيميائي، ولكن سرعان ما تغير كل شيء بعد استعادة النظام السيطرة على دوما بدعم روسي.
أجبر النظام الطبيب وآخرين ممن ظهروا في مقاطع الفيديو التي توثق الهجوم، على البقاء في دوما ومنعوهم من المغادرة، حيث تعرضوا للاعتقال في فرع الخطيب 251 بدمشق، المعروف بأساليب التعذيب الوحشية، وهناك، تحت تهديد السلاح والوعيد اضطروا لنفي وقوع أي هجوم كيميائي وتقديم شهادات مزورة أمام الكاميرات.
كما تم استدعاء أطباء وممرضين من مستشفى دوما إلى مقر الأمن القومي، حيث أنكروا “القصف الجوي” و”الغاز”، وقالوا إن ما حدث كان مجرد “غبار” تسبب بمشاكل تنفسية، وبُثت هذه الشهادات الكاذبة لاحقا على قناة الإخبارية السورية.
كانت مهمة التدخل الروسي تكمن في “نقل الأكذوبة إلى الساحة الدولية”، حيث لم تقتصر عملية التضليل على الداخل السوري، بل امتدت للخارج بتنسيق روسي مباشر.
كشف التحقيق تلقين الشهود المزعومين في وزارة الدفاع الروسية، وبحضور مترجم الرئيس بوتين الشخصي، و”تدريبهم” على الرواية التي سيقدمونها، والادعاء بأن الفيديو مفبرك.
بالتزامن مع ترهيب الشهود، عمل النظام على إزالة الأدلة المادية للهجوم، إذ أفاد شهود عيان بأن السلطات قامت بنبش القبور الجماعية التي دُفن فيها ضحايا الهجوم الكيميائي ونقلت الجثث إلى جهة مجهولة، وذلك قبل وصول محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
أكد التحقيق أن التورط الروسي أعمق من مجرد تضليل، حيث يشير إلى أن الدور الروسي قد يتجاوز مجرد المساعدة في التغطية على الجريمة، فقوات “النمر”، التي نفذت الهجوم بقيادة سهيل الحسن، تم تشكيلها وتدريبها وتجهيزها والإشراف عليها من قبل ضباط روس، ويؤكد خبراء أن هذه القوات كانت تستجيب لأوامر موسكو أكثر من دمشق.
ولا تزال التهديدات مستمرة للشهود بعد سقوط النظام، رغم أنهم تنفسوا الصعداء وأصبحوا أكثر قدرة على كشف الحقيقة، لكن “التهديد لم يزل بالكامل”، حيث تلقى بعضهم تهديدات، “ليس للدفاع عن النظام البائد، بل لحماية موسكو”.
يروي الدكتور حسن عيون كيف تلقى اتصالا من مجهول يُعرف نفسه بأنه ضابط سوري من اللاذقية التي تضم قاعدة حميميم العسكرية الروسية، ويحذره من الحديث عن روسيا.
كما تعرض شاهد آخر لزيارة من ثلاثة رجال زعموا أنهم صحفيون من قناة “رابتلي” التابعة للكرملين، وأصروا على إجراء مقابلة معه حول دوما، وهو ما رفضه الشاهد مدركا أنها محاولة للإيقاع به، وقد أكدت وزارة الإعلام السورية لاحقا عدم منح أي تأشيرات صحفية للقناة في تلك الفترة.