السويداء – نورث برس
لطالما مثّلت السويداء في جنوب البلاد واحدة من الركائز الأساسية في الذاكرة الوطنية السورية، إذ ارتبط اسمها بالثورة السورية الكبرى التي قادها الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش، الزعيم الذي وحّد السوريين تحت راية الاستقلال. هذا التاريخ النضالي العريق، جعل من السويداء جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري، حسب تعبير نشطاء مدنيين وسياسيين من السويداء.
رفض التدخل الخارجي
يستذكر الناشط السياسي من السويداء مروان حمزة، هذا الإرث الوطني قائلاً: “منذ مئة عام، كانت السويداء ركناً أساسياً في الدولة السورية، وساحة الكرامة رفعت شعارات تؤكد على وحدة سوريا من الجبل إلى الحسكة، وعاصمتنا دمشق ولا نرضى بغيرها بديلاً.” ويشدد أن الأصوات الداعية للانفصال أو الحماية الدولية هي “أصوات منبوذة وممولة خارجياً”، مشدداً أن الحماية الحقيقية لأبناء السويداء هي الشعب السوري نفسه، وليس أي قوة خارجية.
ويضيف “حمزة”: “نحن نرفض التدخل الدولي، ونرى أن مكاننا هو أرضنا، ولا بديل عن سورنا الوطني.” داعياً إلى إعادة المهجرين إلى قراهم بعد رفع العقوبات، والعيش بكرامة بعيداً عن الوصاية.
من جانبه، يقول الكاتب والباحث من السويداء، الدكتور جمال الشوفي، لنورث برس، إن السويداء كانت دائماً في قلب المعادلة الوطنية السورية، بدءًا من الثورة السورية الكبرى وحتى حراك 2011 السلمي. ويشير إلى القرار “التاريخي” لأبناء السويداء في 2012 و2013 بالامتناع عن المشاركة في “المقتلة السورية” تحت شعار “حرمة الدم السوري”، وهو موقف يعتبره نموذجاً للمقاومة السلمية.
كما يصف حراك ساحة الكرامة بأنه “ماراثون عالمي في السلمية” استمر لأكثر من 15 شهراً، وكان له دور كبير في إعادة إحياء الأمل بين السوريين بعد سنوات من اليأس.
ويشير “الشوفي” إلى أن المرحلة الانتقالية تتطلب تهدئة الطائفية وفتح حوار وطني شامل بعد رفع العقوبات، مع رفض الانزلاق نحو الانفصال أو العزل الطائفي. ويرى أن غياب قوانين فعالة لتنظيم الأحزاب ومنع التحريض الطائفي قد يفتح المجال أمام الأصوات الانفصالية لتكسب أرضية جديدة.
تحذيرات من صراع طائفي
يقول السياسي والأكاديمي جمال درويش، لنورث برس، إن السويداء لعبت دوراً تاريخياً كبيراً منذ عشرينيات القرن الماضي، حيث أسقطت دولة جبل الدروز ورفضت مشاريع التقسيم. ويشير إلى أن المحافظة رفضت أن تكون خزاناً بشرياً للصراع المسلح، متمسكة بخيار المقاومة السلمية واستقبال النازحين دون تمييز.
ويشدد “درويش” على أهمية مشاركة كل القوى الوطنية في المرحلة الانتقالية بعيداً عن الانتقائية، مع التأكيد على ضرورة إصدار قوانين لتنظيم الأحزاب وتحقيق العدالة الانتقالية لمنع الفوضى. ويرى أن غياب التنظيم السياسي القوي يهدد بتحول الساحة إلى ساحة صراع طائفي أو أيديولوجي، وهو ما لا يخدم مستقبل سوريا.
وتنقسم السويداء ذات الغالبية الدرزية إلى ثلاث تيارات متباينة في الرؤى، التيار الأول يطالب باللامركزية مع الحفاظ على العلاقة مع دمشق وهذا التيار يقوده الشيخ حكمت الهجري، وهو التيار الأقوى والمرجعية في اتخاذ القرارات، والثاني يدعو إلى الاندماج الكامل مع الحكومة الانتقالية، والتيار الآخر يدعو إلى نموذج فيدرالي مستوحى من تجربة شرق الفرات”، حسبما أفاد جمال درويش عضو مؤتمر الحوار الوطني في السويداء في تصريح سابق لنورث برس.
ووسط تحفظات زعامات دينية وسياسية، توصلت تشكيلات عسكرية في السويداء إلى اتفاق مع السطات السورية لتحديد شكل العلاقة بين الطرفين، ومن بين هذه التشكيلات “حركة رجال الكرامة”، الفصائل المنضوية في “مضافة الكرامة”، التي يتزعمها ليث البلعوس وفصيل “أحرار جبل العرب” الذي يقوده الشيخ سليمان عبد الباقي.
فيما يطالب تيار الشيخ الهجري مع الفصائل العسكرية المؤيدة له بضمانات محددة قبيل الانخراط الكامل مع دمشق، كما طالب هذا التيار قبيل توقيع الاتفاق، بتدخل دولي لضمان دولة مدنية وفصل للسلطات في سوريا.
بينما يرى الناشط المدني صالح النبواني أن الوقت حان لبناء دولة سورية موحدة على أسس العدالة والقانون بعيداً عن أي تدخل خارجي.
ويضيف “النبواني”، لنورث برس، أن “السويداء ستبقى على الخط الوطني، وشعبها يرفض أن يكون أداة في مشاريع تقسيم أو فدرلة، بل يصر على دولة ذات سيادة تحفظ حقوق الجميع.”
وبعد مرور خمسة أشهر على سقوط نظام الأسد، لا تزال السويداء جنوبي سوريا، تشهد حالة من التباين والانقسام في المواقف السياسية، وسط محاولات من القوى الفاعلة لاحتواء الأزمة وتوجيه المسار نحو دولة مدنية جامعة، رغم حالة الفوضى والتخبط التي تعيشها البلاد.
اليوم، وبينما تتعافى سوريا من آثار الحرب والعقوبات، يتطلع أبناء السويداء إلى بناء وطن يجمع كل مكوناته على أسس المساواة والعدالة، بعيداً عن التقسيم أو الهيمنة.