تحولت صورة لعائلة من ستة أفراد، تم إنتاجها بالذكاء الاصطناعي، إلى رمز إلكتروني مؤثر بين السوريين، يجسد ما بات يُعرف بـ "مجزرة مشقيتا". هذه الجريمة المروعة استهدفت مزارعين في المنطقة السياحية بريف اللاذقية الشمالي، أثناء عملهم في أراضيهم، على يد مسلحين مجهولين يُعتقد أنهم من رعاة الأغنام. وتشهد المنطقة حوادث مماثلة، نتيجة اقتحام رعاة لأراضٍ زراعية ومحاولتهم السيطرة عليها بالقوة.
اختار الناشطون تقديم "صورة بديلة" مولدة عبر برامج الذكاء الاصطناعي، تجسد العائلة كرمز، وليس مجرد أفراد، في محاولة لإبقاء القصة حية وتكريس الضحايا في الذاكرة البصرية السورية.
ظهرت صورة لمجموعة فلاحين تتوسطهم سيدة، يرتدون ملابس توحي بعملهم وقد تلونت بالدماء، فيما يشكل القمح خلفية للصورة. وفي صورة أخرى، يظهر منجل القمح مغطى بالدماء وملقى على الأرض.
ما يلفت في الصور المنتجة بالذكاء الاصطناعي ليس دقتها البصرية أو جمالياتها فحسب، بل قدرتها العالية على الانتشار والتأثير العاطفي. صورة عائلة مشقيتا، على سبيل المثال، حصدت مئات المشاركات والتعليقات خلال ساعات فقط من وقوع الجريمة.
وعلقت صحافية سورية قائلة: "لم يخطر في بالي يومًا أن هذه الجنة سيندمج ترابها وقمحها بدماء أبنائها". وأشارت الكاتبة ديانا جبور، التي تنحدر من قرية مشقيتا، عبر صفحتها على فيسبوك: "لأهلي في مشقيتا… صبرًا جميلاً وبالله المستعان"، موضحة أن اسم القرية يعني الأرض المسقية.
الصور الرمزية سهلت تداول القضايا على نطاق أوسع، وتستخدم الآن في المنشورات السياسية، والحملات الحقوقية، وحتى في تقارير بعض المنظمات الدولية، كصورة "معبرة" عن الحادثة، رغم معرفة الجميع بأنها ليست أصلية. وقد لوحظ أن الجمهور يتفاعل بشكل أكبر مع الصور التي تحاكي الجانب الإنساني والعائلي للضحايا، كالصور التي تظهر أطفالًا مع آبائهم أو مشاهد لحياة يومية فقدت فجأة. هذا النمط من التمثيل العاطفي يسهم في تجاوز الانقسام السياسي ويعيد النقاش إلى مستوى إنساني جامع.
منذ سقوط النظام السوري أواخر عام 2024، لم يتوقف السوريون عن توثيق الانتهاكات اليومية، لا سيما تلك ذات الطابع الانتقامي أو الطائفي، التي تتكرر على أطراف المدن الكبرى والمناطق المختلطة. ومع ضعف المؤسسات القضائية والإعلام الرسمي، لجأ المواطنون إلى منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للتوثيق، والرأي، والتأريخ، والتعاطف، والنشر.
إنتاج صور تعبيرية ورمزية لحوادث معينة ليس مقتصرًا على سوريا، بل هو حالة أكثر عمومية وغير مرتبطة بالمكان. فقد انتشرت مؤخرًا صورة تعبيرية عن الطفلة الفلسطينية التي نجت من النار التي اندلعت إثر الغارات الإسرائيلية، وهي صورة أُنتجت كذلك بالذكاء الاصطناعي انطلاقًا من صور ومشاهد حقيقية.
بينما يرى البعض في هذا الأسلوب نوعًا من التوثيق الشعبي البديل مع غياب وسائل إعلام رسمية أو محترفة توثق الانتهاكات، يحذر آخرون من الاستخدام السياسي أو الطائفي لهذه الصور، خصوصًا حين تُنتج بطريقة قد توحي بانحياز أو تثير الكراهية أو من دون التأكد من سياق ومعلومات الحادثة.