الأحد, 15 يونيو 2025 09:54 PM

أبناء السوريات والجنسية: هل يحمل العهد الجديد إنصافًا طال انتظاره؟

أبناء السوريات والجنسية: هل يحمل العهد الجديد إنصافًا طال انتظاره؟

عنب بلدي – بيسان خلف

دراسة طب الأسنان في جامعة “دمشق” لم تكن إنجازًا بالنسبة لمهند أبو شقرا وأخيه حسام، وهما لبنانيان ومن أم سورية. يروي مهند أبو شقرا (35 عامًا) لعنب بلدي، الفارق الذي عاناه كمواطن لبناني من أم سورية، واضطراره للعيش في سوريا إثر وفاة والده.

يشعر مهند بالانتماء لسوريا أكثر من بلده الأم لبنان التي لم يزرها سوى مرتين. ويقول، “أنتمي لسوريا، لكن سوريا لا تنتمي لي، سنواتي التي عشتها في سوريا لم تكن كافية لحصولي على الجنسية السورية”.

دراسة مهند وأخيه التوأم حسام بقسم طب الأسنان في جامعة “دمشق” لم تكن تجربة جيدة، إذ اضطرت والدتهما لدفع الرسوم الجامعية بالعملة الأجنبية، فالطلاب العرب والأجانب يدفعون رسومهم الجامعية بالقطع الأجنبي (الدولار).

لم يكتمل إنجاز مهند وحسام بالتخرج، إذ وقفت جنسيتهما اللبنانية عائقًا أمام فتح عيادة تخصصية، إذ يحتاج ذلك إلى ترخيص باسم طبيب سوري أو من في حكمه (أي اللاجئ الفلسطيني السوري). ولا يستطيع الشابان حتى العمل في المستشفيات التابعة للدولة، وبعد أربع سنوات من محاولات البحث عن عمل بعيادات أسنان تخصصية في سوريا، قررا السفر إلى لبنان، لكن لم يعلما أن شهادتهما في لبنان غير معترف بها وتحتاج إلى معادلة، حتى يتمكنا من فتح عيادة تخصصية هناك.

قال الأخوان، “نشعر بأننا بلا هوية، ومرفوضون حكوميًا في كلا البلدين”. قضى مهند وحسام سنتين لمعادلة شهادتيهما حتى يتمكنا من فتح عيادة لجراحة وطب الأسنان في بيروت.

لا مستقبل لأبناء السوريات

حال مهند وحسام أفضل من حال هاريار (24 عامًا) البلغاري الجنسية من أم سورية، الذي ولد في سوريا، وانفصل والداه ليعيش مع أمه في دمشق.

“بلغاري وتعيش في سوريا”، “سوريا ليست بلادك لماذا تعيش فيها؟”، وغيرها من العبارات لا تكاد تفارق هاريار طيلة حياته. يقول الشاب، “في كل مرة أسمع هذه العبارات أضطر لشرح قصة انفصال والديّ، وبأني لم ألتقِ بوالدي ولا أعرف عنه شيئًا”.

كما عانى هاريار من التنمر بسبب جنسيته البلغارية، وبشرته الفاتحة وشعره الأصفر الذي يوحى بأنه أجنبي.

يدرس هاريار في كلية الهندسة المعمارية بجامعة “دمشق”، لكن والدته لا تخطط لإبقائه في سوريا بعد تخرجه. “لا أريد أن يعيش ابني من دون حقوق أو عمل يحفظ له كرامته”، قالت أليس السرج والدة هاريار، لعنب بلدي. وتنوي أليس السفر مع ابنها إلى الإمارات العربية المتحدة، حتى يتمكن مع إيجاد فرصة عمل.

وتابعت، “لو كنت رجلًا لمنحوا ابني الجنسية السورية، لكن العنصرية ضد النساء لن تختفي من سوريا لو تغير ألف نظام”.

“الولد ابن أبيه، والأب هو رب الأسرة القوّام على زوجته”، هكذا تتعامل المجتمعات العربية مع الأمهات، تتساءل أليس، مضيفة، “كيف سيمنحون ابني الجنسية وهم لا يعترفون حتى بأن للأم الحق في ابنها”.

وتنتقد أليس قانون الجنسية السورية، “القانون في فحواه غير منطقي، كيف لا تستطيع المرأة السورية أن تمنح ابنها الجنسية، إلا إذا كان ابنها مجهول النسب”.

ينص القانون المدني السوري الذي جاء مع الدستور السوري لعام 1973 في مادته الثالثة (الفقرة أ) المتعلقة بمنح الجنسية السورية على: يعتبر سوريًا حكمًا من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري، ومن ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانونيًا، وفقًا لكتاب القانون المدني السوري.

الجنسية لأبناء السوريات خطوة لنبذ التمييز

ترى المحامية نادين غازي، في حديث إلى عنب بلدي، أن من الضروري والإنساني أن يُمنح أبناء السوريات الجنسية السورية كما يمنح الأب السوري الجنسية لأبنائه، فإصدار قانون يمنح أبناء السوريات الجنسية السورية ليس فقط مطلبًا عادلًا، بل استثمار في مستقبل سوريا، وخطوة نحو العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة.

التمييز الجندري وعدم منح الجنسية السورية لأبناء السوريات لا ينسجم مع مبادئ العدالة والمساواة، ولا مع التزامات سوريا الدولية في مجال حقوق الإنسان والطفل، إذ صدّقت سوريا على اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAM)، وهذه الاتفاقيات تنص على حق الطفل في الجنسية وعلى المساواة بين الرجل والمرأة، بحسب نادين.

وقالت نادين، إن حرمان الطفل من حق الجنسية يجعله في حال قانوني هش، ما يحرمه من حقه في التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل وحتى الشعور بالانتماء.

وتابعت أن واقع الحرب في سوريا أدى إلى زيجات مختلطة سواء داخل أو خارج سوريا، هناك الكثير من الأمهات السوريات تزوجن من غير سوريين، وبعض الأزواج انفصلوا أو توفوا وبقي الأطفال بلا هوية قانونية وباتوا “ضحايا واقع”، ويجب أن يواجَه ذلك بقانون يضمن حقوقهم.

وفقًا للاعتبارات القانونية التي يخضع لها قانون منح الجنسية السورية، أوضحت المحامية نادين غازي، أن قانون منح الجنسية يستند إلى مزيج من موروث قانوني تقليدي، وواقع اجتماعي قديم يميز بين الرجل والمرأة.

كما أكدت نادين أن قانون الجنسية في سوريا يخضع أيضًا لاعتبارات سياسية واجتماعية، الأولى تتعلق بأن الدولة تتعامل مع موضوع الجنسية من منظور سيادي حساس، إذ إن هناك حذرًا دائمًا من استخدام الجنسية كسلاح ديموغرافي أو سياسي، خاصة في حالات اللاجئين الفلسطينيين (الحفاظ على حق العودة)، والأقليات الدينية والعرقية، إضافة إلى زواج السورية من أجانب من دول غير صديقة.

أما الاجتماعية منها فترتبط بمراعاة تأثير منح الجنسية على البنية الاجتماعية والتركيبة السكانية أو التوزع العرقي، فيتم أحيانًا تجميد طلبات التجنيس في مناطق معينة لتجنب تغيير التوازن العرقي.

وهناك حالات تُمنح فيها الجنسية السورية دون تقديم طلب الحصول على جنسية، وفقًا لمرسوم خاص من رئيس الجمهورية بمنح شخص معيّن الجنسية السورية، حتى وإن كان من أم وأب أجنبيين.

وفق القانون المدني السوري، يمكن منح الجنسية السورية لأي أجنبي مقيم في سوريا بعد استيفاء شروط معينة منها:

  • الإقامة المتواصلة لفترة خمس سنوات على الأقل في سوريا.

  • السيرة الحسنة.

  • عدم وجود سوابق أمنية أو جنائية.

  • المعرفة باللغة العربية.

  • المقدرة على الاندماج في المجتمع السوري.

  • الخلو من الأمراض السارية أو العاهات التي تمنع من مزاولة العمل.

مشاركة المقال: