الخميس, 29 مايو 2025 01:03 AM

وزارة الإعلام السورية: من وعود بالإلغاء إلى مركزية مُحكمة.. هل تعيق الحريات؟

وزارة الإعلام السورية: من وعود بالإلغاء إلى مركزية مُحكمة.. هل تعيق الحريات؟

في فترة حكومة تصريف الأعمال التي استمرت لثلاثة أشهر و19 يومًا، وانتهت في 29 من آذار الماضي، سمع السوريون مرارًا تصريحات ووعودًا بإتاحة قدر واسع من الحرية الإعلامية في البلاد. حتى أن بعض مسؤولي وزارة الإعلام كرروا على مسامع زوارهم عبارات تفيد بنيات إلغاء وزارة الإعلام نهائيًا في تشكيلة الحكومة الجديدة، لكن الأمر انتهى إلى تشكيلة حكومية تضم وزارة للإعلام.

ولكيلا يلتبس الأمر، فإن إلغاء أو استمرار وزارة الإعلام، لا يعني بأي شكل من الأشكال تضييقًا على الحريات ولا رفع سقفها بالمقابل، لأن الحريات العامة مرتبطة بنهج الدولة ونظام الحكم وسياساته، وأمرها ليس متروكًا لوزارة أو مؤسسة.

بالنظر إلى تعقيدات الوضع السوري، وحجم ملف الإعلام، والتركة الثقيلة التي ورثتها الحكومة والعهد الجديد، كان هناك تردد في نقاشات على وسائل الإعلام وورشات عمل حيال إلغاء الوزارة، مقابل طروحات تتحدث عن تنظيم ذاتي، أو إنشاء هيئة للإعلام تتبع للحكومة بشكل مباشر.

المشكلة في الوزارة الجديدة أنها جاءت معاكسة شكلًا، حتى اللحظة، للنيات الرسمية المعلَنة سابقًا، بل شديدة المركزية في تعاطيها مع مسائل مختلفة، منها تمرير المعلومات لوسائل الإعلام، وإدارة وهيكلة المؤسسات الإعلامية، وكذلك إعادة ترتيب العمل النقابي بين اتحاد الصحفيين ورابطة الصحفيين وتجمعات أصغر نشأت في إدلب أو محافظات سورية أخرى.

كمثال على المركزية الموروثة، تبعية الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لوزارة الإعلام، وهذا يتنافى مع طبيعة تأسيسها كهيئة مستقلة عام 1960، لتصبح تابعة للوزارة التي تأسست بعد الهيئة بعام (1961)، ووضع نظامها الداخلي عام 1986. وخلال العقود الأربعة الأخيرة كان وزير الإعلام يعمل من مكتبة في التلفزيون (ساحة الأمويين).

ضرورة وجود وزارة للإعلام، وفق الاعتقاد السائد، يفرضها مستوى التهديد للأمن المجتمعي في ظل فوضى المعلومات المنتشرة على وسائل التواصل، والبت في مصير المؤسسات الإعلامية الرسمية المترهلة، وليس التحكم بانسياب المعلومات من المؤسسات الرسمية إلى وسائل الإعلام أو الجمهور.

قد يكون التحدي الأبرز اليوم، بالفعل، وجود تشريعات ناظمة للعمل الإعلامي، على مستوى المؤسسات والأفراد، وليس الأمر مجرد كتابة “مدونة قواعد سلوك” مهنية، لأن الأخيرة، ومع أهميتها، لن تحلّ المشكلة دون وجود تشريعات قانونية يجري وفقها منع الانتهاكات دون تقييد الحريات. وهذه التشريعات كانت موجودة في عهد النظام السابق على علّاتها، ولكنها كانت أداة إخضاع وسيطرة صارمة يفرضها نهج “النظام” الأمني المخابراتي.

من الأولويات تشكيل توليفة يشارك فيها مشرّعون وقانونيون وإعلاميون، ويمكن إدماج متخصصين في علم المجتمع، لترتيب “مدونة سلوك” مدروسة قانونيًا، إذ تتداخل الصلاحيات في قضايا الإعلام والنشر بين وزارات الداخلية والعدل والإعلام.

دون سوء ظنّ، وقد يكون “من حسن الفطن”، أورد ما يقول مستشار لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، جين-بول مارثوز، إن “الحكام المستبدين يتباكون بشأن مسؤولية الصحافة، وفي معظم الحالات يكون الهدف من مواعظهم وأحاديثهم عن الحاجة إلى وضع مدونة سلوك أو توجيهات أخلاقية هو تقليم أجنحة الصحفيين المستقلين وترويض الصحافة”.

ما يقوله مارثوز، لا يعني أن تترك الصحافة “على عواهنها”، وإن حصل وتطلب الأمر مدونات سلوك أخلاقية أو مهنية، فوجود الصحفيين ذوي التجربة والمعرفة أنفسهم في ترتيبات هذه المدونات أمر ملحّ، لأنهم سيدافعون عن أخلاقيات المهنة لا عن مبررات الحجب. وفي هذا يقول ماريو فارغاس لوسا، الحائز على “نوبل” للأدب عن كتابه “حضارة الترفيه”، إن “الصحافة المدفوعة بالبحث عن الفضائح هي الطفل اللقيط لثقافة الحرية. ولا يمكن قمعها من دون توجيه ضربة قاتلة لحرية التعبير”.

وهذا ما نقصده بضرورة المواءمة وعدم ارتكاب انتهاك بهدف منع انتهاك.

بالعودة إلى فكرة مركزية العمل في وزارة الإعلام، ليس من المقبول أن يقضي موظفوها جلّ وقتهم في استقبال أسئلة الصحفيين وتوزيعها على المكاتب الصحفية والعلاقات العامة في الوزارات والمؤسسات والدوائر الرسمية، وليس من مهمة وزارة الإعلام أن تقرر في المسائل النقابية، وهذا لا يمنع قيامها بدور إشرافي مؤقت.

ومع أن الدور مفهوم مؤقتًا، لكنه يسيء إلى مفهوم عمل تلك الكوادر، ويعطيها طابعًا وصائيًا أبويًّا أكثر من كونها عملية تنظيمية طبيعية.

قد يجادل البعض في مسألة مراكمة الخبرة، أو هيكلة مؤسسات الدولة، والجواب أن الأصل هو الإتاحة، وأن كل التشريعات والقوانين العصرية يجب أن تذهب إلى مبدأ حق الصحفي في الوصول إلى مصدر المعلومات، وحق الجمهور في المعرفة، وقبل كل ذلك، اقتناع السلطة بأن الإعلام يشكل أداة أساسية للرقابة على الشأن العام وضمان النزاهة.

وليتذكر الجميع أن صحفيات وصحفيين كبارًا قضوا قتلى وهم يبحثون خلف الفساد.. وللحديث بقية.

مشاركة المقال: