الأحد, 25 مايو 2025 11:57 PM

عودة إلى مقاعد الدراسة بعد سنوات الحرب: طلاب جامعة الفرات في دير الزور يستأنفون تعليمهم

عودة إلى مقاعد الدراسة بعد سنوات الحرب: طلاب جامعة الفرات في دير الزور يستأنفون تعليمهم

حسام شاهين – دير الزور

بعد اثني عشر عامًا متواصلة من الانقطاع، عاد معن، إلى مقعده الدراسي في كلية الطب البيطري في جامعة الفرات بمدينة دير الزور شرق سوريا، لمتابعة دراسته الجامعية. وبعد انقطاع دام أكثر من عقد من الزمن، عاد عدد من طلاب جامعة الفرات في دير الزور، شرقي سوريا، إلى مقاعدهم الدراسية، مستأنفين رحلتهم التعليمية التي قاطعتها الحرب والملاحقات الأمنية.

12 عاماً من الغياب

يقول معن محمد، الشاب الذي طرق أبواب الثلاثين من العمر، إنه كان قد ترك جامعته في العام 2013 بعد أن بدأ النظام السوري السابق بالتضييق على الطلاب واعتقالهم بتهمة معارضته والزج بهم في السجون أو سوقهم نحو القطعات العسكرية لدفعهم نحو جبهات القتال. ويضيف لنورث برس، أنه كان يخشى الوصول إلى الجامعة من كثرة الحواجز الأمنية للنظام السابق، لذلك اضطر إلى ترك كليته، إلا أنه تمكن اليوم بعد 12 عاماً من الغياب من العودة بعد أن قدم طلب للجامعة التي أتاحت له ولطلاب آخرين انقطعوا بسبب الثورة السورية، إمكانية متابعة تعليمهم.

فيما تقول نتاليا بكداش، وهي طالبة هندسة زراعية في جامعة الفرات، إن معظم المنقطعين عن الجامعات والذين عادوا حديثًا إليها هم من كبار السن بسبب طول فترة الانقطاع، وهو أمرٌ يتحمل مسؤوليته النظام السابق وليس الطلاب، على حد وصفها. وتضيف "بكداش”، لنورث برس، أن الصعوبات لم تكن مرتبطة فقط بالطلاب الذكور إذ واجهت الإناث مصاعب أيضًا ارتبطت بالوضع الأمني في سوريا وانتشار الحواجز الأمنية قبل سقوط النظام، متمنية أن تتحسن الأوضاع لمزيد من الأمن والاستقرار في سوريا.

ودفع تغير نظام الحكم في سوريا، بعد وصول إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق وإعلان سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ومن ثم تشكيل الإدارة الانتقالية في البلاد، إلى تغير الحال في الجامعات ليس في دير الزور وحسب إنما في كل الجامعات السورية. فيما تتمنى فاطمة محمد، وهي طالبة في كلية الهندسة الزراعية بدير الزور، تأمين وظائف فورية وفرص عمل بعد التخرج من المرحلة الجامعية.

“إزالة شبح التجنيد والنقابات الطلابية”

يقول عامر جيجان، وهو طالب في كلية الطب البيطري في جامعة الفرات بدير الزور، إن الفروق باتت واضحة للعيان بين سياسات النظام السوري السابق وبين السلطة الحالية في البلاد، إذ توقفت الملاحقات الأمنية للطلاب كما تم إزالة شبح التجنيد الذي كان يخنق الطلبة طوال عقود في سوريا. ويضيف “جيجان” لنورث برس، أن “النقابات الطلابية التي شكلها النظام السابق مثل اتحاد الطلبة أو التشكيلات داخل الجامعات”.

ويشير إلى أن تلك النقابات والتشكيلات كانت تعيق الدراسة وتشكل عامل قلق للطلاب لاسيما بعد اندلاع الثورة في العام 2011، مضيفاً أنها “كانت تدفع الأجهزة الأمنية إلى زيادة الضغوط على الشعب السوري حتى داخل حرم الجامعات”. ويقول “جيجان”:” توقفت الملاحقات الأمنية للطلاب، كما اختفى شبح التجنيد الإجباري الذي كان يشكّل كابوسًا دائمًا”.

ومع انطلاق الاحتجاجات السلمية في سوريا في مارس 2011، شهدت الجامعات السورية تجمعات واعتصامات طلابية سلمية داخل الحرم الجامعي، لكن سرعان ما قوبلت هذه الاحتجاجات بالقمع. وكانت الأجهزة الأمنية تستهدف الطلاب المحتجين بشكل مباشر، بالتعاون الوثيق مع عناصر من النقابات الطلابية وفروع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا داخل الجامعات، وفق طلاب جامعيين في دير الزور.

ومنتصف حزيران/ يونيو من العام الماضي، كشف تحقيق أجراه فريق تابع للمجلس السوري البريطاني عن أدلة جديدة تدين أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بارتكاب جرائم حرب ضد زملائهم في جامعة دمشق بين عامي 2011 و2013 إبان الثورة السورية.

وأوضح التحقيق -الذي استمر على مدى عامين- أن الاتحاد الوطني لطلبة سوريا يعد ذراعاً للأجهزة الأمنية السورية داخل حرم الجامعة، إذ يقوم أعضاؤه بالدوريات الأمنية في قاعات المحاضرات ومجمعات السكن الجامعي وتوقيف الطلاب وتعذيبهم داخل مرافق الجامعة، وتسليمهم بعد ذلك للأفرع الأمنية.

والمجلس السوري البريطاني هيئة مناصرة سورية مقرها المملكة المتحدة، ويعمل على إنشاء قناة اتصال للسوريين المقيمين في الشتات من أجل رفع أصواتهم إلى الحكومات وصانعي السياسات الدولية، والسعي لمساءلة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

صعوبات السكن وارتفاع التكاليف

إلى جانب التحديات الأكاديمية، يواجه الطلاب مشكلة تأمين السكن، في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات التي وصلت إلى مليون ليرة سورية وربما أكثر، وفق ما أفاد به عدد من الطلبة في كليات دير الزور لنورث برس. ويؤكد الطلاب أن الوحدة السكنية الوحيدة التابعة للجامعة غير كافية لاستيعاب جميع الطلبة، ما يدفع الكثيرين للبحث عن بدائل مكلفة، ترهق العائلات ذات الدخل المتوسط أو المحدود.

وتضم جامعة الفرات مختلف الكليات العلمية والأدبية والفنية، على غرار الجامعات السورية الأخرى، ولم تتعرض خلال سنوات الحرب إلى دمار كبير. لكن الانقطاع الطويل للطلاب كان في معظمه نتيجة سياسات الملاحقة والتجنيد التي فرضها النظام السابق، ما أدى إلى تعطيل المسيرة التعليمية لآلاف الطلبة.

اليوم، تعود الحياة تدريجياً إلى مدرجات جامعة الفرات، وسط آمال بأن تكون هذه العودة بداية لاستقرار أكاديمي يُمهّد الطريق أمام جيل حُرم طويلاً من حقه في التعليم.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: