الأحد, 15 يونيو 2025 06:40 PM

سوريا والاقتصاد الهش: كيف يهدد التصعيد الإيراني الإسرائيلي مستقبل البلاد؟

سوريا والاقتصاد الهش: كيف يهدد التصعيد الإيراني الإسرائيلي مستقبل البلاد؟

مع دخول الصراع بين إيران وإسرائيل مرحلة خطرة، تحوّل التوتر إلى ما يشبه الحرب المفتوحة، وهو ما جعل المنطقة بأكملها تقف على حافة أزمة أمنية واقتصادية. وعلى الرغم من أن سوريا – في ظل المرحلة الانتقالية الحالية بعد سقوط النظام السابق – ليست طرفًا مباشرًا في هذا النزاع، فإن موقعها الجغرافي الحساس، وتركيبتها الاقتصادية الهشة، يجعلانها عرضة للتأثر ولو من الهامش.

من ميدان المعركة إلى الأسواق الدولية: كيف يبدأ التأثير؟

يرى الخبير في اقتصاد الطاقة والشرق الأوسط، نهاد إسماعيل، أن حجم الانعكاسات الاقتصادية يعتمد أساسًا على مسار التصعيد، فإن جرى احتواء النزاع بسرعة، قد يبقى التأثير محصورًا في تقلبات محدودة، أما إذا طال أمد الحرب أو توسعت رقعتها، فإن المنطقة كلها ستدخل في طور جديد من الأزمات الاقتصادية. ويرى إسماعيل خلال حديثه لمنصة سوريا 24 أن من أبرز الهواجس المطروحة حاليًا احتمال تعرض منشآت النفط الإيرانية – التي تنتج أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا وتصدر 1.7 مليون منها – لضربات مباشرة، إلى جانب خطر إغلاق مضيق هرمز الذي تعبره يوميًا أكثر من 20 مليون برميل من النفط من إيران والعراق والكويت والسعودية والإمارات وقطر.

وبحسب إسماعيل فإن تلك المقدمات قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا إلى ما يتجاوز 100 دولار للبرميل، بفعل ارتفاع تكاليف التأمين والشحن، وتزايد علاوة المخاطر الجيوسياسية، ما سيؤدي إلى موجة تضخمية عالمية، تباطؤ في النمو، وربما دخول بعض الاقتصادات في مرحلة ركود، مؤكدًا أن حالة عدم اليقين المتنامية تمثل في حد ذاتها عبئًا إضافيًا على الأسواق العالمية.

سوريا… من تبعية نفطية إلى تحديات استيراد

قبل التحول السياسي في سوريا، وسقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، كانت إيران تشكّل المصدر الرئيسي للنفط السوري، بتوريدات يومية تصل إلى نحو 80 ألف برميل، وبأسعار تفضيلية ضمن علاقات سياسية استراتيجية. ومع انهيار هذا التحالف وتوقف الإمدادات، اضطرت السلطة الجديدة للبحث عن بدائل، عبر العراق وتركيا وشبكات توريد معقدة في شرق المتوسط، غير أن هذه المرحلة الجديدة حملت معها صعوبات إضافية، أبرزها هشاشة البنية التحتية، التقلبات المستمرة في السوق، وغياب آليات دفع مستقرة.

الاقتصاد السوري على حافة التأثر… رغم عدم الاشتراك المباشر في الحرب

يشدّد الباحث الاقتصادي خالد تركاوي خلال حديثه لمنصة سوريا 24 على أن سوريا بلد مستورد بالكامل تقريبًا، وتعتمد في كل تفاصيل حياتها اليومية – من الغذاء إلى الطاقة إلى المستلزمات الإلكترونية – على الأسواق الخارجية، ولذلك، فإن أي تغير في أسعار النفط، أو في كلفة الشحن والتأمين، سينعكس تلقائيًا على الأسعار في السوق السورية. كما أن توتر الأجواء في المنطقة قد يعرقل حركة الطيران والشحن الجوي، بحسب تركاوي، وهو ما قد يؤثر على توفر سلع دقيقة كالأدوية والشرائح الإلكترونية.

ويضيف تركاوي أن حركة المطارات بالذات تشكل خط تماس مباشرًا مع التصعيد، وإذا تم إغلاق أجواء أو تغيير مسارات الملاحة الجوية، فإن الإمدادات اليومية التي تصل عبر الجو ستتأثر فورًا، مما يعقّد المشهد اللوجستي في الداخل السوري.

بين الحياد والمخاطر السياسية

رغم أن سوريا اليوم خارج الاستقطابات التقليدية، فإن خيارات التموضع السياسي لا تزال محدودة في ظل الاصطفافات الإقليمية. ويؤكد الباحث نهاد إسماعيل أن سوريا مطالبة اليوم بسياسة “الحياد الذكي”، لا سيما أن استمرار علاقتها السابقة مع إيران قد يجلب مشاكل غير مرغوبة. وينصح بالابتعاد عن طهران، الواقعة أصلاً بعد سقوط نظام الأسد، والتقارب مع القوى الغربية – خاصة واشنطن والاتحاد الأوروبي – قد يشكل منفذًا استراتيجيًا لتحسين شروط الدعم والاستثمار.

ويضيف أن الاقتصاد السوري لا يتأثر فقط من الخارج، بل من الداخل السياسي أيضًا، حيث يجب على الحكومة الجديدة أن تعيد بناء شبكة توريد مستقرة، وتهيئ بيئة قانونية واقتصادية جاذبة، تمهيدًا لمرحلة ما بعد الحرب. وبالنظر إلى آراء المحللين، فإن المنطقة في لحظة إقليمية شديدة التقلب، قد تكون سوريا خارج ساحة المعركة، لكنها ليست محصنة من التبعات. فاقتصادها المنهك، واعتمادها الكامل تقريبًا على الخارج، يضعانها في مواجهة مباشرة مع كل اضطراب يحدث في المنطقة. وينصح عدد من الخبراء بأن يكون الخيار الأمثل للسلطات السورية، اليوم، هو الحياد المدروس، وبناء سلة توريد متنوعة، وإعادة رسم العلاقات الاقتصادية الخارجية بما يحفظ السيادة ويعزز الاستقرار.

مشاركة المقال: