الخميس, 3 يوليو 2025 09:45 PM

وزارة العدل تعيد النظر في أملاك السوريين المصادرة: لجنة جديدة للتحقيق في قرارات الاستيلاء

وزارة العدل تعيد النظر في أملاك السوريين المصادرة: لجنة جديدة للتحقيق في قرارات الاستيلاء

في خطوة تهدف إلى معالجة تداعيات الماضي، تعمل وزارة العدل على إعادة فحص قرارات الاستيلاء على أملاك المواطنين السوريين التي اتخذها النظام البائد. وقد أعيد تشكيل لجنة قضائية مختصة بموجب قرار من الرئيس السوري أحمد الشرع، للنظر في هذه المسألة.

على مدى عقود، أصدر النظام السابق العديد من الأوامر والقرارات العرفية التي سمحت بالاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة، مستندًا في ذلك إلى أحكام المرسوم التشريعي رقم 51 للعام 1962. وقد استهدفت هذه الأوامر بشكل خاص المعارضين.

في هذا السياق، أصدر الشرع المرسوم رقم 121، يوم الثلاثاء الفائت، والذي يقضي بتشكيل لجنة قضائية تتولى إعادة النظر في القرارات السابقة، وذلك عند تقديم اعتراضات مدعومة بأدلة جديدة، ووفقًا للأحكام القانونية النافذة.

المحامي عبد العزيز درويش، وفي حديث لحلب اليوم، وصف القرار بأنه "خطوة بالاتجاه الصحيح ويعيد الحقوق لأصحابها لأن النظام البائد لم يكن ملتزما بأحكام القوانين لجهة مصادرة أموال وممتلكات المعارضين"، معربًا عن أمله في أن "يتوسع عمل اللجنة ليشمل جميع المصادرات التي حصلت أثناء الثورة".

من جهته، أكد المحامي سامر الضيعي، لحلب اليوم، على أن "الغالبية العظمى من قرارات نزع الملكية التي طالت السوريين خلال العقود الماضية لم تكن ناتجة عن استملاكات قانونية واضحة، بل جاءت ضمن ظروف استثنائية فرضتها حالة الطوارئ. وفي كثير من الأحيان، كانت القرارات تُتخذ لأسباب أمنية أو سياسية، وبموجب أوامر إدارية أو عرفية، دون أن يُمنح أصحاب الحقوق فرصة للاعتراض أو حتى العلم المسبق. لم تُعرض هذه القضايا أمام قاضٍ مستقل، ولم تُعالج كحقٍ يجب احترامه، بل كمجرد ملف يُدار من فوق".

تتألف اللجنة من ثلاثة قضاة هم: محمد عبد الله حج حسن (نائب رئيس محكمة النقض ورئيسًا)، وأحمد خلف حاج زيد (مستشار في محكمة النقض وعضوًا)، وطه مصطفى منصور (مستشار في محكمة النقض وعضوًا).

تؤكد وزارة العدل السورية على التزامها بإعادة الحقوق لأصحابها، إلا أن قدم هذه الملفات، التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، عندما وصل "حزب البعث العربي الاشتراكي" إلى السلطة في 8 من آذار 1963 وأعلن تطبيق الأحكام العرفية، يشكل تحديًا كبيرًا أمام التنفيذ.

وحول إمكانية إعادة كافة الحقوق لأصحابها بعد كلّ تلك المدة، أوضح المحامي الضيعي أنه "لا يمكن النظر إلى هذه القضايا اليوم كإجراءات إدارية أو أوراق قانونية جافة، بل يجب التعامل معها كقضية عدالة مؤجلة، وكرامة منقوصة، وحقوق يجب أن تُردّ. الأمر يتطلب مراجعة مسؤولة، هادئة، ولكن حاسمة، تُعيد الاعتبار لما تعنيه الملكية بالنسبة لكل إنسان: أمانه، بيته، أرضه، وتعب عمره".

واعتبر أن "اللجنة القضائية التي نصّ عليها المرسوم 121 هي بداية على هذا الطريق. صحيح أنها لا تحمل كل الحلول، لكنها على الأقل تفتح الباب مجددًا. الباب لمن لم يُسمع صوته، أو طُويت قضيته من دون حق. إنها تسمح بتقديم اعتراضات جديدة، حتى في الحالات التي كانت تُعتبر مغلقة نهائيًا، بشرط وجود أدلة أو معطيات جديدة. هذه ليست خطوة بسيطة، بل تحوّل مهم، لأنها تعني الاعتراف بأن هناك من ظُلم، وأن هناك إمكانية لإصلاح ما فات".

لكن الضيعي طالب بإلغاء "الأساس القانوني الذي شرعن تلك الانتهاكات في الأصل، أي المرسوم التشريعي رقم 56 لعام 2011، الذي أبقى مفاعيل الأوامر العرفية قائمة، وقيّد عمل اللجنة السابقة، وجعل قراراتها غير قابلة للطعن، وحَرَم آلاف المتضررين من أبسط حقوقهم في التعويض والاعتراض"، معتبرا أن "هذه الخطوة، بكل رمزيتها، لن تكتمل ما لم يتم ذلك".

وأضاف أن "استمرار هذا المرسوم يُقوّض اليوم أي جهد فعلي لتصحيح المظالم. فكيف يمكن أن نمنح لجنة جديدة صلاحية معالجة الانتهاكات، بينما المرجعية التي أنتجت تلك الانتهاكات ما زالت قائمة؟ إن إلغاء هذا المرسوم، أو على الأقل تعليق نفاذه قانونيًا، ليس خيارًا سياسيًا، بل ضرورة حقوقية لضمان صدقية الإجراءات وشفافيتها".

إضافة إلى ذلك، أشار الضيعي إلى مشكلة التعويضات المالية الهزيلة التي دُفعت لأصحاب العقارات المستملكة، والتي لا تُقارن بقيمة أملاكهم، داعيًا إلى فتح باب جديد يُعيد تقييم تلك الحالات، لمن حصلوا على تعويضات قليلة أو بدائل لم تكن منصفة، وذلك "ليس فقط من زاوية القيمة السوقية، بل من زاوية الضرر المتراكم، والحرمان طويل الأمد، والخسارة التي امتدت لأكثر من جيل".

وختم بالقول: "استعادة الحقوق اليوم لا تعني فقط حل نزاع قانوني قديم، بل تعني ترميم العلاقة بين المواطن والدولة، تعني أن يشعر من فُقدت أرضه أو منزله أنه لم يُنسَ، وأن هناك من يعترف بظلمه، ويعمل على تصحيحه.. العدالة العقارية، في هذا السياق، ليست فقط فرعًا من القانون، بل جزء من المصالحة الوطنية، من طي صفحة الماضي دون إنكارها، ومن بناء سوريا الجديدة على أساس من الحقوق، والاحترام، والتوازن بين الفرد والمؤسسات.. الفرصة اليوم متاحة، ولو كانت معقّدة. لكن الأهم أن لا تُضيّع من جديد".

مشاركة المقال: