الخميس, 3 يوليو 2025 01:59 PM

مجلس الشعب السوري الجديد: آلية استثنائية وتحديات التمثيل الديمقراطي في المرحلة الانتقالية

مجلس الشعب السوري الجديد: آلية استثنائية وتحديات التمثيل الديمقراطي في المرحلة الانتقالية

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع في 13 حزيران 2025 المرسوم رقم 66، الذي يقضي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب. وتهدف هذه اللجنة إلى تصميم آلية استثنائية لاختيار أعضاء المجلس التشريعي الأول في الجمهورية السورية المؤقتة.

تأتي هذه الخطوة في سياق الإعلان الدستوري المؤقت، وفي ظل مناخ سياسي انتقالي معقد، يجمع بين متطلبات بناء المؤسسات وضرورة تثبيت الحد الأدنى من التمثيل السياسي في بلد يعاني من آثار الحرب والانقسامات.

تعتمد الآلية المقترحة على نظام انتخاب غير مباشر على مرحلتين، تشرف عليه لجنة مركزية عليا وهيئات انتخابية فرعية في كل محافظة. تقوم هذه الهيئات باختيار قوائم مغلقة تضم ما بين ثلاثين وخمسين شخصية اعتبارية مؤهلة لكل مقعد، ثم تجري انتخاباً داخلياً لاختيار أحدهم، دون تدخل مباشر من الناخبين.

أما الثلث المتبقي من أعضاء المجلس، فيتم تعيينهم مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، أي ما مجموعه خمسون عضواً من أصل مئة وخمسين، مما يجعل نسبة المنتخبين مئة مقابل خمسين معينين.

يوزع المجلس وفقاً لمعيار التعداد السكاني لعام 2010، حيث حصلت محافظة حلب على الحصة الأكبر بواقع عشرين مقعداً، تليها دمشق بأحد عشر مقعداً، ثم ريف دمشق بعشرة، فحمص بتسعة، وحماة بثمانية، وإدلب بسبعة، واللاذقية ودير الزور والحسكة بستة مقاعد لكل منها، ثم طرطوس بخمسة، ودرعا بأربعة، تليها الرقة بثلاثة مقاعد، والسويداء بثلاثة، وأخيراً القنيطرة بمقعدين.

يراعى في تكوين المجلس المزج بين الكفاءة الاجتماعية والسياسية، حيث تخصص سبعون بالمئة من المقاعد للكفاءات (أكاديميين، خبراء، قانونيين)، وثلاثون بالمئة لوجهاء المجتمع المحلي وأعيانه، سعياً لتحقيق توازن بين التمثيل الشعبي المباشر والتكنوقراطي المؤسسي.

من الإيجابيات في هذه الآلية أنها تراعي واقع الانقسام الجغرافي والمؤسساتي، وتوفر حلاً عملياً لتجاوز غياب البنية الإدارية التي تمكن من إجراء انتخابات عامة. كما أن توزيع المقاعد على أساس سكاني يضمن تمثيلاً منصفاً للمحافظات، ويعيد بعض الاعتبار للمناطق التي عانت من التهميش سابقاً. كذلك، فإن الانفتاح على الكفاءات المهنية، ورفع نسبة تمثيلها، يفتح المجال أمام نخبة وطنية جديدة كانت مهمشة لعقود، ويقلل من هيمنة الأحزاب والأجهزة التي لطالما شوهت الحياة البرلمانية السورية.

في المقابل، تواجه هذه الآلية انتقادات جوهرية، أبرزها غياب التصويت الشعبي المباشر، مما يضعف شرعية المجلس أمام الرأي العام. كما يثير تعيين ثلث الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية مخاوف من سيطرة السلطة التنفيذية على العملية التشريعية. ويضاف إلى ذلك غموض المعايير المعتمدة لاختيار الشخصيات المؤهلة، واحتمال خضوعها لاعتبارات محلية أو ولائية لا تعكس حقيقة التمثيل الشعبي.

تبقى الإشكالية الكبرى في خطر تحول هذه الصيغة المؤقتة إلى نمط دائم، خاصة إذا غابت الآليات الرقابية أو أُقحمت الترتيبات الانتقالية في لعبة المصالح. إن تشكيل مجلس الشعب بهذه الكيفية هو جزء من عملية تأسيسية معقدة، لا يمكن فصلها عن مجمل التحديات التي تواجه الدولة السورية الناشئة.

فالمجلس، وإن أُنجز بتوافقات ظرفية، يبقى مقياساً لمدى التزام السلطة الانتقالية بمسار التحول السياسي الحقيقي. وتكمن المهمة الجوهرية لا في مجرد بناء مجلس يُنتخب أو يُعيّن، بل في مدى استقلاله وجرأته التشريعية، وقدرته على تمثيل إرادة السوريين فعلاً، لا شكلاً.

يبقى الرهان معقوداً على أن لا تتحول هذه الخطوة إلى غاية بحد ذاتها، بل أن تُستخدم كجسر عبور نحو صياغة عقد اجتماعي جديد، يُتوَّج لاحقاً بانتخابات حرة وعادلة. أما إذا تم تجميد هذه المرحلة، أو الاستقرار عليها كقالب نهائي، فإنها ستعيد إنتاج بنية سلطوية مكرَّرة تحت أسماء مختلفة. وفي الحالتين، فإن ما يُبنى اليوم سيحدد المدى الممكن للديمقراطية غداً، وهو ما يستحق كل هذا الجدل.

(موقع اخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: