على الرغم من الأهمية المتزايدة للتكنولوجيا النووية في موازين القوى العالمية، تواجه معظم الدول العربية صعوبات في امتلاكها، سواء للأغراض السلمية أو الردعية. وبينما يثير الملف النووي الإيراني التوترات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، تظل البرامج النووية العربية الجادة غائبة عن المشهد، باستثناء تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي حققت نجاحاً ملحوظاً. فما هي الأسباب التي أدت إلى تعثر معظم المحاولات العربية لامتلاك هذه التكنولوجيا؟ وما هي العقبات التي حالت دون تحويل الطموحات إلى مشاريع واقعية؟ وما هو الدور الذي لعبته العوامل السياسية والمالية والتقنية، بالإضافة إلى الضغوط الدولية، في إجهاض هذه الطموحات؟
تجربة الإمارات: استثناء ناجح
سعت العديد من الدول العربية إلى تطوير برامج نووية منذ خمسينيات القرن الماضي، لكن دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر الاستثناء الوحيد الناجح حتى الآن. ففي العقدين الأخيرين، ظهرت محاولات جديدة ترتبط بشكل أكبر بقضايا أمن الطاقة والنمو السكاني، وكان أبرزها برنامج الإمارات الذي تُوّج بإنجاز أربع وحدات في محطة "براكة" للطاقة النووية، بالشراكة مع كوريا الجنوبية، كما يؤكد الخبير الأردني في الطاقة عامر الشوبكي في تصريح لـ"النهار".
وأبدت دول عربية أخرى، مثل السعودية ومصر والجزائر وتونس والمغرب والأردن، رغبة في إنشاء مفاعلات نووية في السنوات الأخيرة. ومن بين هذه المشاريع، يبرز المشروع السعودي المدرج ضمن "رؤية 2030"، ومحطة "الضبعة" المصرية التي حققت تقدماً ملحوظاً في التنفيذ. ومع ذلك، تبقى معظم المفاعلات النووية في العالم العربي صغيرة ومخصصة للأغراض البحثية أو الطبية فقط.
محطة الضبعة: عقبات سياسية ومالية
يرى الشوبكي أن فشل البرامج النووية في العالم العربي يعود إلى مجموعة من العوامل، تختلف من بلد إلى آخر، وأبرزها "غياب الاستقرار والإرادة السياسية". ويضيف أن "العديد من المشاريع بدأت بحماس كبير، لكنها توقفت بمجرد رحيل المسؤول الذي تبناها". كما يشير إلى "تغير الأولويات التنموية في بعض الدول، وغياب استراتيجيات وطنية عابرة للحكومات تضمن استمرارية المشاريع".
إلى جانب العقبات السياسية، تشكل التكلفة الباهظة لإنشاء المحطات النووية عقبة رئيسية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والديون المتراكمة التي تعاني منها دول عربية عدة. ويقول الشوبكي: "تتراوح تكلفة بناء مفاعل نووي بين 7 مليارات دولار و12 مليار دولار، وقد بلغت 25 مليار دولار في حالة محطة الضبعة في مصر، وهي أرقام يصعب على معظم الدول العربية تحملها".
في المقابل، يشكل توافر مصادر طاقة أخرى أقل تكلفة، كالطاقة المتجددة والنفط والغاز، خياراً أكثر مرونة. ويضيف: "في ظل هذه البدائل، تصبح الطاقة النووية أقل جاذبية للعديد من الدول".
ضعف البنية ونقص الكوادر
أما من الناحية التقنية، فتظهر مشكلات هيكلية تؤثر مباشرة في قدرة الدول على تنفيذ مشاريع نووية مستدامة. ويشير الخبير التونسي الدولي في الطاقة حامد الماطري، في حديث إلى "النهار"، إلى وجود أسباب تقنية وبنيوية تعوق التقدم في هذا المجال، أبرزها غياب البنية التحتية العلمية والتكنولوجية، وندرة الكفاءات المحلية القادرة على تشغيل مفاعلات نووية وفق معايير السلامة الدولية. ويضيف أن "ارتفاع التكلفة، وغياب الشفافية، وعدم الاستقرار الإداري، كلها عوامل حالت دون استكمال العديد من المشاريع التي بقيت حبيسة التصريحات والأحلام".
في المقابل، يشير إلى تجارب دول مثل الأرجنتين وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية التي نجحت في تطوير برامج نووية سلمية من خلال الاستثمار في الكفاءات المحلية والتعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وشركاء دوليين.
الضغوط الدولية ودور إسرائيل
لكن ربما يبقى العامل الحاسم في تفسير فشل البرامج النووية العربية، كما يشير الخبيران، هو "حجم الضغوط الخارجية"، وعلى رأسها الدور الإسرائيلي. يقول الماطري إن ملف الطاقة النووية في العالم العربي لا يمكن فصله عن سياق الصراع العربي – الإسرائيلي، ويضيف: "نجحت إسرائيل في تطوير برنامجها النووي منذ خمسينات القرن الماضي، بمساعدة فرنسية كبيرة، مكنتها من بناء مفاعل ديمونا في صحراء النقب، وامتلاك قنابل نووية، وإن بقي ذلك طي الغموض".
ويتابع: "سعت مصر في الستينيات، بدعم من الاتحاد السوفياتي، لتحقيق توازن استراتيجي، غير أن هزيمة 1967 ثم اتفاقية السلام مع إسرائيل، أوقفتا عملياً هذا المسار". ويؤكد أن المخاوف الغربية من احتمال تحول أي برنامج سلمي إلى مسار عسكري، أدت إلى فرض قيود مشددة على الدول العربية، بينما نجحت الضغوط الإسرائيلية في إجهاض العديد من التجارب العربية في مراحل مختلفة.
العراق وليبيا… النموذجان العسكريان
ويختم بالإشارة إلى تجربتي العراق وليبيا، كنموذجين لمحاولات جدية ذات طابع عسكري، نشأت في دول نفطية غنية ذات نظم عسكرية وطموحات إقليمية. ويقول: "في العراق، تم بناء مفاعل تموز بدعم فرنسي، لكنه دُمر بغارة إسرائيلية عام 1981، أما ليبيا، فبدأت مساراً مشابهاً لكنها تخلت عنه مطلع الألفية تحت الضغط الدولي، وتنازلت رسمياً عن طموحاتها النووية".