الجمعة, 27 يونيو 2025 12:34 AM

مدينة كلّس التركية على أعتاب التغيير: السوريون يستعدون للعودة بعد سنوات اللجوء

مدينة كلّس التركية على أعتاب التغيير: السوريون يستعدون للعودة بعد سنوات اللجوء

مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة للاجئين السوريين في تركيا لزيارة بلادهم قبل العودة النهائية في الأول من تموز/ يوليو، تشهد مدينة كلّس الحدودية حركة استعدادات واسعة للمغادرة، بينما لا يزال البعض الآخر متردداً.

في "كادينلار جارشيسي"، أو ما يعرف محلياً بـ "شارع سوريا" في مدينة كلّس جنوب تركيا، تظهر واجهات المحلات الفارغة التي تحمل لافتات "للإيجار"، دلالة على عودة أصحاب الأعمال السوريين إلى بلادهم بعد سقوط الأسد في 28/ 05/ 2025.

في صباح أحد أيام الربيع المشمسة، اجتمعت ثلاث نساء في فناء "كريمات"، وهي منظمة بناء سلام نسائية في مدينة كلّس، التي تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود السورية. تبادل الثلاثي أطراف الحديث حول سؤال يشغل بال الكثيرين: هل سيعدن إلى سوريا ومتى؟

تقول سعاد، 35 عاماً: "إذا سافر زوجي إلى سوريا أولاً لاستكشاف الأوضاع في المكان الذي كنا نعيش فيه، فيمكننا لاحقاً التفكير في العودة". طلبت سعاد، كغيرها من بعض السوريات اللاتي تمت مقابلتهن في هذا التقرير، أن يتم تعريفها باسمها الأول فقط حفاظاً على سلامتها.

شعرت سعاد بالتغيير الذي طرأ على كلّس منذ سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، المدينة التي استقبلت آلاف اللاجئين السوريين على مدار 14 عاماً. يبدو الناس أكثر تفهماً، ويشجعون السوريين على البقاء في الوقت الحالي، "معظم الأتراك يقولون لنا: لا تعودوا، فالأمور لم تتضح بعد"، على حد قول سعاد.

أومأت فاطمة، 27 عاماً، وهي طالبة جامعية، برأسها موافقة، قائلة: "إنهم يتصرفون معنا بشكل طبيعي لأنه من الواضح الآن أننا سنعود إلى بلدنا". وأضافت سامية، 47 عاماً، وهي مصممة أزياء: "معظم السوريين من حولنا سوف يعودون"، وهذا سيكون "مشكلة كبيرة بالنسبة للشركات التركية وأصحاب العقارات هنا".

تؤكد فاطمة على ذلك قائلة: "مع مغادرة السوريين، سيقل عدد الأشخاص الذين يستأجرون المنازل أو يعملون"، وأضافت: "يمكنكِ أن ترين المزيد من لافتات: للإيجار أو للبيع" على الشقق والمتاجر المعروضة.

يشكل السوريون نسبة كبيرة من السكان في كلّس، إذ تبلغ نسبتهم حوالي 50%، بينما تحتل غازي عنتاب ثاني أعلى نسبة من السوريين، مسجلة حوالي 14 بالمئة. وقد لجأت النساء الثلاث، وجميعهن من مدينة حلب، إلى كلّس في عام 2012، هرباً من الحرب في بلدهنّ الأم.

يشعر العديد من السوريين، بمن فيهم سعاد وفاطمة وسامية، بالقلق من العودة الفورية إلى بلد دُمرت فيه منازلهم ولا تزال الخدمات الأساسية فيه شحيحة. لذا يرغبون في زيارة سوريا، لكنهم يخططون للاستقرار هناك بعد عام أو عامين.

بعد الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أطلقت تركيا آلية لـ "الزيارة التفقدية"، سمحت بموجبها لشخصٍ بالغ واحد من كل أسرة سورية بزيارة بلده ثلاث زيارات مؤقتة خلال ستة أشهر. تتيح هذه السياسة للاجئين تقييم الظروف بشكل مباشر قبل اتخاذ قرار العودة.

رحب خبراء الهجرة الأتراك بهذه السياسة، لكنهم حذروا من رفع سقف توقعات الشعب التركي بالعودة الجماعية. وقالت ديدام دانش، أستاذة علم الاجتماع في جامعة غلطة سراي: "إنها خطوة جيدة وجريئة للغاية من الحكومة التركية، ولكنّها محفوفة بالمخاطر".

تستبعد دانش حصول عودة جماعية من تركيا على المدى القصير، متوقعة أن تمدد الحكومة سياسة "الزيارة التفقدية" إلى ما بعد الأول من تموز/ يوليو، وقدرت أن يعود عشرة بالمئة من السوريين إلى بلادهم هذا الصيف في أحسن الأحوال.

يعبر البعض عن قلقهم من قرب انتهاء صلاحية هذه الآلية، إذ لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيتم تمديدها، وكيف يمكن أن تتغير السياسات التركية تجاه السوريين في المستقبل. قالت سامية: "ستة أشهر ليست كافية لاتخاذ قرار العودة من عدمه".

منذ عام 2013، ساعد مركز كريمات المجتمعي النسائي في كلّس النساء السوريات في العثور على وظائف والانخراط في المجتمع المحلي. وتدافع مؤسسة المركز ومديرته نجلاء الشيخ عن الاندماج الاجتماعي والاقتصادي للاجئين في المدينة الحدودية.

ولفتت الشيخ إلى أن الهجمات العنصرية والعداء تجاه اللاجئين السوريين قد تراجعت في كلّس منذ سقوط الأسد. وبينما اختار بعض السوريين الذين يعيشون حياة مستقرة وأطفالهم في المدارس التركية البقاء، من المرجح أن يعود الكثير منهم.

توقعت موظفات "كريمات" أن يصل عدد العائلات التي عادت عبر بوابة "أونجو بينار" الحدودية في كلّس إلى سبعة آلاف عائلة منذ سقط الأسد. ومع مغادرة المزيد من السوريين، تتغير كلس مرة أخرى: فالمتاجر تغلق أبوابها، ونقص العمالة يضرب قطاعات النسيج والبناء والتصنيع.

تنقل العديد من المنظمات غير الحكومية السورية في كلس عملياتها إلى سوريا، بحسب حسين بيطار. يلاحظ القائمون على مركز كريمات التأثير أيضاً على صعيد عملهم، إذ يحول المانحون تركيزهم بشكل متزايد إلى تمويل مبادرات جديدة داخل سوريا.

بينما يمنع مستوى الدمار في سوريا الكثيرين من العودة، تكيّف البعض بسرعة مع الوضع هناك، ورمّموا ممتلكاتهم أو وجدوا منازل للشراء أو الإيجار. ولكن مع اقتراب موعد انتهاء آلية "الزيارة التفقدية" الأسبوع المقبل، يشعر العديد من السوريين بالقلق، كونهم غير متأكدين من أن العودة المستقبلية سوف تكون طوعية أم تحت الضغط.

استضافت تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري خلال الحرب. ومنذ سقوط الأسد، عاد أكثر من 273 ألف سوري تركيا طواعية، بحسب تصريح لنائب الرئيس التركي جودت يلماز في حزيران/ يونيو.

ورغم تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بعدم إجبار أي سوري على العودة، إلا أن القلق العام المتزايد، الذي يغذيه الركود الاقتصادي، جعل من اللاجئين نقطة اشتعال سياسي في السنوات الأخيرة.

قال قدري غونغور، مدير الرعاية الاجتماعية في جمعية اللاجئين ومقرها إسطنبول، إن العديد من السوريين سارعوا إلى العودة في وقت مبكر، معتمدين على روايات إيجابية من الأقارب ووسائل التواصل الاجتماعي، غير مدركين شروط الزيارة التفقدية.

وجدت دراسة حديثة أجرتها منظمته أن 75 بالمئة من السوريين لا يفكرون في العودة الطوعية. ربما يمتد برنامج الزيارة التفقدية إلى ما بعد الأول من تموز/ يوليو، لكن شكل سياسات الهجرة المستقبلية في تركيا سيعتمد على المسار السياسي لسوريا وما إذا كانت أنقرة ترى فرصة مجدية للدفع باتجاه العودة، وفقاً له.

فرّت فاطمة جنيد، رئيسة مركز أمل الغد الذي يقوده سوريون، إلى تركيا مع أطفالها الأربعة في السنوات الأولى من الحرب، بعد أن اعتقلت قوات النظام زوجها. وبينما تجلس في مكتبها، استذكرت كيف حوّل السوريون كلّس إلى مدينة تنبض بالحياة.

مرّت نور، وهي معلمة لغة إنكليزية سابقة من إدلب، على مركز أمل الغد بينما كانت "سوريا على طول" تجري مقابلة مع جنيد. تنوي العودة إلى سوريا مع أطفالها الأربعة بعد انتهاء العطلة، وقد انتقل زوجها بالفعل إلى دمشق في أواخر شباط/ فبراير، ووجد عملاً هناك وهو بانتظارهم حالياً.

كان علي، وهو زائر آخر للمركز، قد عاد للتو من سوريا، حيث افتتح مشروعاً صغيراً للديكور بالقرب من حلب في أيار/ مايو. وقد خطط للعودة بشكل دائم في غضون يومين، لكنه قال إن السوريين بحاجة إلى مزيد من الوقت لاتخاذ قراراتهم.

على بعد مسافة قصيرة من مركز أمل الغد، وقف رامي الحميدي، شاب ثلاثيني، خارج متجره لبيع الملابس الرجالية في انتظار الزبائن. وقد فرّ من سوريا إلى كلس مع عائلته قبل خمس سنوات. وخلال 10 أيام، كان يعتزم زيارة سوريا لتفقد الأوضاع هناك قبل أن يعود مع زوجته وطفله الرضيع، ويستأنف عمله.

يدير مراد نعومي، ثلاثيني من مدينة إدلبة، محلاً للألبسة الرسمية في كلس منذ وصوله لأول مرة عندما كان مراهقاً قبل فترة وجيزة من ثورة 2011 في بلده الأم. بعد 15 عاماً في تركيا، يخطط للعودة إلى سوريا في غضون شهرين.

مشاركة المقال: