الأربعاء, 25 يونيو 2025 06:15 PM

حمص تطلق خطة شاملة لمواجهة التسول: هل تكون حلاً أم مجرد مسكن؟

حمص تطلق خطة شاملة لمواجهة التسول: هل تكون حلاً أم مجرد مسكن؟

أعلنت محافظة حمص عن إطلاق خطة متكاملة لمعالجة ظاهرة التسول التي عادت إلى شوارع المدينة في الآونة الأخيرة، مؤكدة أن هذه الظاهرة لم تعد مجرد سلوك فردي عابر، بل هي نتيجة لضغوط اقتصادية واستغلال اجتماعي منظم.

وفي بيان رسمي، أكدت المحافظة أن معالجة هذا الملف تأتي في إطار "الحفاظ على كرامة الإنسان وصورة حمص الأصيلة"، مشيرة إلى أن الهدف هو إعادة المدينة إلى ما كانت عليه، خالية من مشاهد التسول المتزايدة.

وفقًا للبيان، تعمل مديرية الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع جمعية البر والخدمات الاجتماعية، وبمشاركة فعالة من الجمعيات الأهلية، على تنفيذ خطة شاملة تقوم على تقييم الحالات فرديًا وتحويل المحتاجين الحقيقيين إلى قنوات دعم ورعاية مناسبة. ويشمل ذلك رصد الظاهرة ميدانيًا ومتابعتها في مختلف أحياء المدينة، وملاحقة شبكات الاستغلال المنظم بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة، والأهم من ذلك، تأمين بدائل معيشية واجتماعية للمحتاجين الحقيقيين، بما يضمن خروجًا تدريجيًا وآمنًا من دائرة التسول.

ودعت المحافظة المواطنين إلى الامتناع عن تقديم المال للمتسولين في الشوارع، مشيرة إلى أن هذا السلوك، رغم حسن النوايا، يساهم في تكريس الظاهرة بدلًا من حلها. وحثت على توجيه التبرعات والمساعدات عبر الجمعيات الرسمية المرخصة التي تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه. واختتم البيان بالتأكيد على أن "مكافحة التسول لا يمكن أن تتحقق بالإجراءات الرسمية فقط، بل تتطلب شراكة أهلية حقيقية وإرادة جماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية".

وسط مؤشرات متزايدة على تفاقم الظاهرة، قدر مصدر مسؤول سابق في "الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان" أن عدد المتسولين في البلاد سجل ارتفاعًا بنسبة 25٪ خلال الأشهر الماضية، وخاصة في شهر رمضان الفائت. وأشار إلى أن هذا التصاعد كان واضحًا من خلال المشاهدات الميدانية أمام المساجد وأماكن العبادة، وكذلك عند إشارات المرور في شوارع رئيسية بالعاصمة.

وأضاف المصدر، الذي لم يتم ذكر اسمه، أن عدد المتسولين في عموم سوريا بلغ العام الفائت نحو 250 ألف شخص، 51.1٪ منهم من الإناث، فيما يمارس نحو 64.4٪ منهم التسول بشكل "احترافي"، أي بشكل منظم وممنهج، وليس بدافع الحاجة فقط. كما أشار إلى أن الأطفال يشكلون قرابة 10٪ من المتسولين، أي ما يقارب 25 ألف طفل، ما يسلط الضوء على جانب بالغ الخطورة من هذه الظاهرة.

من جانبه، أكد مدير الشؤون الاجتماعية والعمل "محمود الخطيب" أن الوزارة بصدد إطلاق حملة شاملة للحد من التسول، بالتعاون مع الجهات الأمنية، بعد أن رصدت زيادة ملحوظة في أعداد المتسولين، خصوصًا في شوارع العاصمة دمشق، مشيرًا إلى أن "الكثير منهم يمتهن التسول لا بسبب العوز وإنما بدافع الربح والاعتياد".

وكشف الخطيب في حديثه لصحيفة "القدس العربي" عن خطط لتفعيل القانون الخاص بمكافحة التسول، بالتوازي مع إعادة تأهيل "دار الكسوة" غرب دمشق، والتي كانت تستخدم سابقًا كسجن، لكنها حاليًا غير مهيأة لاستقبال المتسولين وتأهيلهم.

في السياق ذاته، قالت رئيسة مكتب والتشرّد في مديرية شؤون دمشق، "خزامة النجاد"، إن تراجع دور أقسام الشرطة خلال الفترة الماضية ساهم في تفاقم الظاهرة، مشيرة إلى أن التنسيق الأمني بدأ يستأنف بشكل تدريجي للعودة إلى ضبط المتسولين في الشوارع.

في ظل هذا المشهد، تبدو ظاهرة التسول اليوم كأعراض لمرض أعمق يضرب البنية الاجتماعية والاقتصادية في سوريا. فبحسب برنامج الأغذية العالمي، يعاني نحو 12.9 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي عام 2025، بينما لم يتجاوز عدد من تلقوا الدعم خلال العام الماضي حاجز المليوني شخص. أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد رسم صورة أكثر قتامة حين قدر أن البلاد بحاجة إلى أكثر من 50 عامًا لتستعيد مستوى اقتصادها ما قبل الحرب، حتى في حال تحقق نمو قوي ومستدام.

كل ذلك يتقاطع مع واقع مرير، حيث 90٪ من السوريين باتوا تحت خط الفقر، وثلثهم تقريبًا يرزحون تحت الفقر المدقع. في ضوء هذه الأرقام، لا تبدو مكافحة التسول مجرد إجراء أمني أو اجتماعي، بل جزءًا من معركة طويلة لاستعادة الحد الأدنى من الكرامة والعدالة في بلد أرهقته الأزمات.

مشاركة المقال: