الثلاثاء, 24 يونيو 2025 05:22 PM

في وجه التحديات: مزارعو القدموس يتمسكون بزراعة التبغ رغم الجفاف وارتفاع التكاليف

في وجه التحديات: مزارعو القدموس يتمسكون بزراعة التبغ رغم الجفاف وارتفاع التكاليف

في قرى "القدموس" بريف طرطوس، لا تزال زراعة التبغ (الدخان) تمثل الخيار الأهم والضروري للكثير من العائلات، وذلك على الرغم من الصعوبات المناخية القاسية وارتفاع تكاليف مستلزمات الزراعة بشكل غير مسبوق.

سناك سوري _ محمد عباس

"هيثم أبوحمود"، وهو أحد مزارعي قرية "بيت الميسرة"، يصف هذه الزراعة بأنها "موروث الآباء والأجداد". ويؤكد في حديثه لـ سناك سوري أن طبيعة الأرض في هذه المناطق لا تصلح إلا لزراعة التبغ، الذي يحتاج إلى ظروف خاصة مثل الرطوبة العالية، أو ما يعرف باللهجة المحلية بـ "الندي"، وهو ما يمنحه جودة استثنائية يعتز بها المزارعون.

يبدأ موسم زراعة التبغ في القدموس في شهر كانون الأول مع زراعة البذور، ويستمر حتى شهر حزيران، وهو موعد الحصاد. ولكن رحلة الورقة الخضراء لا تنتهي هنا، إذ تُجمع الأوراق في المنازل وتدخل فيما يعرف محلياً بـ "مرحلة الشك"، حيث تربط الأوراق على خيوط وتُعلّق على مناشر خشبية أو معدنية لعدة أشهر حتى تجف، قبل أن تُخمر في شهر تشرين، انتظاراً لموعد تسليمها إلى "الريجة" (المؤسسة العامة للتبغ).

مصاعب الزراعة.. بين الجفاف وغلاء نقل المياه

أوضح "أبوحمود" أن تكاليف الزراعة أصبحت باهظة، بدءاً من شراء "التورب" المستخدم للشتول، وصولاً إلى الري ونقل المياه الذي قد يصل إلى 150 ألف ليرة للنقلة الواحدة، بالإضافة إلى غلاء الأسمدة والمبيدات.

ويضيف: «تبلغ أجرة عامل الشتول 100 ألف ليرة يومياً، وساعة الفلاحة كذلك، ولكن رغم ذلك لا يمكننا التخلي عن هذه الزراعة، فهي موردنا الوحيد، حتى لو كانت النتيجة خسارة مالية».

ورغم هذه المصاعب، يرفض أبناء ريف القدموس ترك أرضهم. وما يخفف العبء – بحسب تعبيره – هو "العَونة"، وهي عادة اجتماعية متجذرة، يجتمع فيها الكبار والصغار والنساء والرجال للمساعدة في مختلف مراحل الزراعة، كنوع من الدعم المجتمعي المتبادل.

"ريحة الخير" في كل موسم

تصف السيدة ذكية، والدة أبو حمود، مواسم الدخان بأنها "أيام بركة"، لا تخلو من لمّة المحبين. تقول بابتسامة: «يلي بحبنا بيجي يعاونا»، وتعود بذاكرتها لأكثر من 65 عاماً من العمل في هذه الزراعة التي تعلمتها من شقيقتها، وتنقلها اليوم لأحفادها بكل دقة وأمانة.

وتشرح أن مؤسسة تحدد موعد تسليم المحصول في تشرين، ويُشترط أن يكون جافاً وذا لون أشقر مائل للحمرة. وهي مواصفات صارمة يحاول المزارعون تحقيقها رغم كل التحديات.

بين مناشر الدخان وذاكرة الشقاء، لا يزال أبناء ريف القدموس يزرعون الأمل إلى جانب ورق التبغ، ويتمسكون بخيط أخضر من الصمود، رغم ما تفرضه الطبيعة والسوق من أعباء. وفي مشهد تتقاسمه النساء والأطفال والعجائز، تصبح زراعة الدخان أكثر من مهنة، بل حكاية انتماء وهوية لم تُخمدها بعدُ ريح الجفاف.

مشاركة المقال: