الأربعاء, 14 مايو 2025 12:03 AM

نصر حامد أبو زيد: قراءة في التجديد والتحريم والتأويل وإشكالية النقد الديني

نصر حامد أبو زيد: قراءة في التجديد والتحريم والتأويل وإشكالية النقد الديني

قراءة وتعليق: يوسف عبد الله محمود

د. نصر حامد ابو زيد، المفكر المصري الراحل المتخصص في الدراسات الإسلامية واللسانية، كان صاحب رؤية غير تقليدية، تميزت كتاباته بجرأة تهدف إلى بلورة فهم عصري للإسلام، بعيدًا عن التزمت ومقاربًا لحداثة العصر دون المساس بالجوهر الإيماني.

يقدم نصر حامد أبو زيد في كتابه "التجديد والتحريم والتأويل" قراءة مختلفة للمفاهيم الأساسية، تتجاوز القراءات التقليدية السائدة.

يرى أبو زيد أن التجديد هو "سيرورة اجتماعية وسياسية وثقافية بدونه تتجمد الحياة وتفقد رونقها". (نصر حامد أبو زيد، "التجديد والتحريم والتأويل" ص 15، الناشر: المركز الثقافي العربي، المغرب 2014م)

انتقد أبو زيد المسلمات والأسس التي هيمنت على الخطابات الإسلامية، وسعى إلى تنزيه "الخطاب القرآني" عن القراءات الخاطئة والمتزمتة، داعيًا إلى فهمه في السياق التاريخي للفعالية الاجتماعية والبشرية.

أراد أبو زيد "أنسنة" الخطاب الديني وتحريره من التفسيرات التعسفية التي تتعارض مع العقل أو تبرر الفساد والاستبداد، مع التأكيد على أهمية الماضي دون الانغلاق فيه، بل السعي إلى ربط الجوانب المضيئة منه بحداثة العصر. وقد أثارت هذه الآراء حملة انتقادات واسعة ضده.

واجه نصر حامد أبو زيد هذه الحملة بصدر رحب، ولم يداهن أصحاب التفسير السلفي المحافظ المقاومين للتجديد، وفند مزاعمهم التي تعتبر المطالبة بالفصل بين "الدين" و"السلطة" دعوة لإقصاء الدين عن الحياة. (المرجع السابق ص 39)

حاول الدخول في مناقشات فكرية حرة تتناول تاريخ الفكر الديني بشكل نقدي، لكنه لم ينجح بسبب التزمت.

في كتابه، تناول أبو زيد ما أسماه "أزمة النقد في بنية الثقافة المعاصرة"، مستهجنًا اعتبار النقد جريمة كبرى حين يطال الظاهرة الدينية في أي من تجلياتها التاريخية. (المرجع السابق ص 57)

حاكم أبو زيد "الظاهرة الدينية" محاكمة مستنيرة في ضوء "الثقافة الفلسفية العقلانية" التي تدعو إلى الخروج من أسر الثقافة السحرية البدائية. (المرجع السابق ص 60)

يرى أبو زيد أن هذه الثقافة السحرية التي تحاول "تحنيط" النص بهدف تقديسه، هي المسؤولة عن شيوع ظاهرة التزمت في العالم الإسلامي والدفع بما يسمى بـ "الأصولية" إلى الواجهة، لإبقاء حالة الركود والتخلف. إنها "أصولية" تسعى إلى احتكار اليقين الديني والنطق الحصري بلسان السماء. (المرجع السابق ص 11)

تكرر هذه الثقافة ما قاله الأقدمون من تراث دون تمحيص، حتى وإن تعارض مع منطق العقل.

ينتقد أبو زيد "ذهنية التحريم" التي تحاصر حرية الفنان والمبدع، متسائلاً: "لماذا يسبب الفن فزعاً لخطاب التحريم، فيحاول محاصرته ومصادرته؟" (المرجع السابق ص 86)

الفن حرية، وحين تُبتلى المجتمعات بالفزع من الحرية يكون الفن ضحية هذا الفزع. "ميزة الإبداع الاختراق، اختراق الراكد والمألوف والتقليدي، اختراق كل قيد". (المرجع السابق ص 85)

"ذهنية التحريم" هي التي صادرت إبداع مبدعين كبار أرادوا فتح كُوّة نور وسط ظلام دامس تعيشه مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

تؤكد رؤية نصر حامد أبو زيد المثيرة للجدل على أن الخطاب الإلهي ثابت في منطوقه، متحرك في دلالاته.

مشاركة المقال: