الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:17 PM

مصير اتفاقيات النظام السوري السابق: تحليل قانوني في ضوء القانون الدولي وإمكانية الإلغاء

مصير اتفاقيات النظام السوري السابق: تحليل قانوني في ضوء القانون الدولي وإمكانية الإلغاء

بلدي نيوز - مرهف الشهاب

عقد رأس النظام السوري السابق العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة مع الدول التي دعمته ضد شعبه كروسيا وإيران. السؤال الأكثر إلحاحاً وتعقيداً في الساحة السورية الآن هو: ما هو مصير هذه الاتفاقيات بعد الثورة؟ وهل يمكن إلغاؤها؟ للإجابة، نوضح شروط صحة إبرام المعاهدات وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، ونطبقها على الاتفاقيات السورية.

شروط صحة إبرام المعاهدات: الأهلية، الرضا، مشروعية الموضوع

أولاً: الأهلية

يملك أشخاص القانون الدولي العام أهلية إبرام الاتفاقيات الدولية، كالدول والمنظمات الدولية والفاتيكان. في سوريا، منح دستور 2012 الرئيس سلطة مطلقة في إبرام المعاهدات دون الحاجة لموافقة داخلية، وفقاً للمادة 107. المادة 42 من اتفاقية فيينا تنص على عدم جواز الطعن في صحة المعاهدة إلا عن طريق إعمال هذه الاتفاقية. بمعنى أن إنهاء الاتفاقيات بين الدول في ظل سريان اتفاقية فيينا لا يمكن التراجع عنها بإرادة منفردة لذلك يقر الفقه بشكل عام بإلزامية تطبيق كل المعاهدة وضرورة تنفيذها فهي ملزمة بطبيعتها.

وبالتالي، تُعد معاهدات النظام السوري السابق صحيحة من حيث الأهلية، ولا يمكن إبطالها استناداً إلى هذا الشرط.

ثانياً: الرضا

يشترط لصحة انعقاد المعاهدة ألا تكون إرادة الدولة مشوبة بعيوب الرضا: الغلط، التدليس، الإكراه.

أ- الغلط: له معنيان: الغلط في الصياغة (يتم تصحيحه)، والغلط في الرضا (يتعلق بموقف أو واقعة أساسية). يجب أن يتعلق الغلط بحالة أو واقعة تتوهم الدولة بوجودها عند إبرام المعاهدة وأن يكون سبباً أساسياً في ارتضاء الدولة المعنية الالتزام بالمعاهدة. حالات الغلط المؤثرة في صحة المعاهدات نادرة جداً. لا يتصور وقوع الغلط في المعاهدات التي وقعها النظام السابق لأنها تتطلب مساطر خاصة ومتدخلين كثر في إبرامها فمن المستبعد وقوع الغلط فيها حين الإبرام .

ب- التدليس: نوعان: إيجابي (تقديم وثائق مزورة)، وسلبي (كتمان حقائق). يقع عبء إثبات التدليس على الدولة التي تحتج به. الاحتجاج بالتدليس في الاتفاقيات السورية صعب للغاية لأمرين : صعوبة إمكانية وقوعه ـ وإن وقع فهناك صعوبة في إثباته .

ج- الإكراه: نوعان: الإكراه على ممثل الدولة، والإكراه على الدولة نفسها.

إكراه ممثل الدولة: والذي من طبيعته السرية ولا يمكن لأي دولة مهما كانت قوتها وجبروتها ممارسة فعل الإكراه بشكل علني لان العلنية تحرر من وقع عليه الإكراه ، وفي الحالة السورية ما اطلعنا عليه علناً يوحي بوقوع الإكراه على ممثل الدولة وتعرضه للإذلال في مواقع متعددة كمنعه من الوقوف بجانب الرئيس الروسي وهو على الأرض السورية واستدعائه إلى القواعد العسكرية الروسية ، إضافة إلى التهديدات الكثيرة بالتغيير وغيرها من المؤشرات التي توحي بأن ممثل الدولة لا يملك إرادة الاختيار والحرية في الأمور الأقل شأناً من مواضيع الاتفاقيات ولكن كل ذلك لا ترتقي إلى مستوى الدليل القانوني على وقوع الإكراه على رأس النظام فلا نستطيع إلغاء الاتفاقيات على عيب إكراه ممثل الدولة لأن ذلك يتطلب تصريح من بشار الأسد بأنه تعرض للإكراه والتهديد أو أن تكون الدائرة المحيطة به مطلعة على واقعة تهديد أو أعمال تستشف منها الإكراه .

الإكراه الواقع على الدولة : مما لا شك فيه أن هنالك في العلاقات الدولية طرق كثيرة تلجأ إليها الدولة القوية لممارسة الضغط على الدول الأضعف وحقيقة هذا ما حصل مع سورية سواء بالتعامل مع روسيا أو إيران فكلما أرادوا من النظام الضعيف في دمشق معاهدة تمنحهم امتيازات انتهجوا سياسة ضغط معينة فتأتي ثمارها . إن المعاهدات التي تم توقعيها في ظل مرابطة الميليشيات الإيرانية ووجود القواعد العسكرية الروسية المستقلة عن السيادة السورية يجعل إرادة الدولة مشوبة بالإكراه مما يجعل اتفاقياتها قابلة للإبطال .

ثالثاً: مشروعية موضوع المعاهدة

يجب أن يتفق موضوع المعاهدة مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. في الحالة السورية هل نستطيع الاستناد إليه في إبطال المعاهدات التي عقدها النظام لأنها مخالفة لمبدأ المساواة في السيادة أو لأنها أساساً مبنية على حرمان الشعب السوري من التعبير عن إرادته هذا الأمر يحتاج إلى نصوص الاتفاقيات وملاحقها التنفيذية وطريقة التفاوض وكل ما يتعلق بها وسوابق قضائية لنتبين وجهة نظر القضاء الدولي وكلاهما غير متوفر حاليا .

يوجد بند آخر ممكن الاستناد عليه في إبطال المعاهدات التي عقدها النظام السوري وهو البطلان لعلة إفساد ممثل الدولة والذي اعتقده أن هذا الأساس يصلح لقيام دعوى إبطال المعاهدات التي عقدت مع بشار الأسد عبر إفساده ومساومته على مصالح شخصية ( بقائه في الحكم ) على حساب المصلحة السورية ففي ظل محاكمة عادلة ومنطقية لتحليل الاتفاقيات وطرح سؤال ماذا استفادت سوريا من هذه الاتفاقيات ؟ وربما لا نستطيع أن نثبت ذلك بوثائق رسمية لكن مجريات الدعوى ومسارات التفاوض وغياب المصلحة العامة وحضور المصلحة الخاصة ما هو إلا دليل واضح على إفساد صاحب المصلحة الخاصة .

أما من ناحية التغيير الثوري الذي حصل فالقانون الدولي لا يقر بأي أثر على الاتفاقيات المعقودة بين الدول مهما كان حجمه أو شكله أو سببه واعتمد في ذلك قاعدة جامدة وصارمة لا تقبل الاستثناء وتطبق حتى على الدول التي حصل بها التغيير نتيجة الثورة وهذا ناتج على أن الرئيس والحكومة هم ممثلين أو وكلاء عن الدولة والدولة باقية فمن الطبيعي أن تبقى المعاهدات سارية .

في ظل التحديات التي تواجه سوريا بعد انتصار الثورة، يبقى مصير الاتفاقيات الدولية التي أبرمها النظام السابق ملفاً بالغ التعقيد. إذ تفرض قواعد القانون الدولي التزامات صارمة تجعل إلغاء تلك الاتفاقيات أمراً غير ممكن بالإرادة المنفردة، ما لم تُثبت وجود عيوب جوهرية في صحتها ، مما يفرض على القيادة الجديدة تبني نهج قانوني ودبلوماسي مدروس يستند إلى الحقائق والوثائق، لضمان استعادة السيادة السورية بشكل كامل، وإلغاء أي التزامات تمثل عبئاً على مستقبل البلاد .

مشاركة المقال: