أثارت القمة العربية التي استضافتها بغداد، جدلاً داخل أروقة "الإطار التنسيقي"، على الرغم من التصريحات الرسمية التي وصفتها بأنها "ناجحة" من حيث التنظيم والمخرجات. برزت تساؤلات حول جدوى القمة في ظل غياب عدد من الزعماء العرب، واقتصار التمثيل على مستوى وزراء أو ممثلين دبلوماسيين، وهو ما اعتبره البعض "رسالة سياسية غير مشجعة" تعكس فتوراً إقليمياً تجاه الدور الذي يحاول العراق لعبه في جمع العرب على طاولة حوار واحدة.
وقال مصدر سياسي مطلع داخل أحد أحزاب "الإطار" إن "هناك شعوراً داخلياً بعدم الرضا عن مستوى الحضور، واعتقاداً بأن هناك أطرافاً عربية لا تزال تتحفظ على احتضان بغداد لدور جامع بسبب مواقف العراق الأخيرة من بعض الملفات الإقليمية الحساسة". وأضاف المصدر أن "زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني، إلى بغداد عشية القمة كانت ضمن سياق إقليمي معروف، لكنها أعطت انطباعاً بأن العراق لا يزال ساحة نفوذ إيرانية، وهو ما قد يفسر إحجام بعض القادة العرب عن الحضور شخصياً"، متابعاً أن ذلك "سبب خلافاً بين رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، ومستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي".
أثار الإعلان المفاجئ عن زيارة قاآني إلى بغداد قبل انعقاد القمة بيوم واحد ردود فعل متفاوتة داخل الأوساط العراقية، إذ اعتبر البعض توقيت الزيارة "غير موفق" وأنه ألقى بظلاله على أجواء القمة ورسائلها، خصوصاً في أعين بعض الدول الخليجية. وفي المقابل، أزعج مضمون بعض كلمات الوفود العربية المشاركة، والتي وصفت حركتي "أنصار الله" و"حماس" بـ"الإرهابيتين اللتين دمرتا بلديهما"، عدداً من أطراف "الإطار"، وخاصة الفصائل التي تنظر إلى الجماعتين كحركتي مقاومة.
وفي هذا السياق، قال أحد النواب المنضوين داخل "التنسيقي" إنه "كان من الممكن الحفاظ على صيغة خطاب أكثر توازناً، خصوصاً أن العراق حاول أن يكون وسيطاً جامعاً لا طرفاً في محاور قائمة"، مشيراً إلى أن "بعض ما قيل في كلمات القادة لا يعكس موقف بغداد الرسمي، وقد يضعف من جهودها التوفيقية في ملفات معقدة مثل اليمن وفلسطين".
ورغم الجدل، يرى مراقبون أن القمة – من حيث التنظيم والمظهر العام – أتاحت للعراق تعزيز مكانته الإقليمية، لكنهم يرون أن التحدي الحقيقي يكمن في ترسيخ هذا الدور بشكل فعلي، عبر نتائج ملموسة على صعيد التسويات السياسية في المنطقة. وفي السياق، يرى الباحث في الشأن السياسي، ياسين الغزي، أن "فعاليات القمة العربية كانت مهمة، وعبر العراق عن موقفه الإيجابي والمحايد تجاه جميع البلدان الشقيقة". ويضيف أن "جميع القمم السابقة لم تبتعد عن تلاوة خطاباتها داخل القاعة التي يتواجدون فيها، وفي كل قمة يعلنون دعمهم توحيد موقفهم العربي الرافض للمجازر التي يرتكبها الكيان ضد أبناء غزة والضفة الغربية وحتى جنوب لبنان الذي تعرض للتدمير".
وفي ما يتعلق بالخلافات بين القوى السياسية حول مخرجات القمة، يرى الغزي أن "بعض الكتل السياسية المناوئة للحكومة تحاول الانتقاص من حدث حيوي كهذا أو تريد تشويه صورة السوداني قبل الانتخابات". ويعتقد بأن "تسقيط القمة هو تسقيط انتخابي، فهناك بعض الأطراف تحاول الإطاحة بالحكومة، ولذا ترى الكثير من الجيوش الإلكترونية تنشر أخباراً مضللة عن القمة، وفي الوقت نفسه لا أستبعد وجود خلافات داخل الإطار التنسيقي حول الأمر".