الثلاثاء, 6 مايو 2025 03:37 PM

فيتنام: دروس في البناء والتنمية من رماد الحرب إلى الازدهار

فيتنام: دروس في البناء والتنمية من رماد الحرب إلى الازدهار

كتب: محمد خير الوادي

احتفلت فيتنام قبل أيام بالذكرى الخمسين لانتصارها على العدوان الأمريكي وإعادة توحيدها. وقد حفزتني هذه المناسبة على الكتابة عن تجربة فيتنام في البناء، لا سيما وأنني عايشت فصولا من تلك التجربة، عندما عملت سفيرا غير مقيم في فيتنام لسنوات طويلة، والتقيت عددا كبيرا من القادة الفيتناميين، وكتبت مقالات ودراسات كثيرة عن التجربة الفيتنامية الرائدة.

بداية لا بد من الإشارة، إلى أن العدوان الأمريكي على فيتنام، قد ترك تلك الدولة خرابا بالمعنى الحرفي للكلمة. فقد ألقت أمريكا – كما أخبرني الرئيس الفيتنامي نغوين مينه تريت في حديث خاص معي، نشرت جزءا منه في كتابي "لقاءات مع قادة من آسيا" – ثلاثين مليار رطل من المتفجرات على الأراضي الفيتنامية، وقتلت تلك القنابل أربعة ملايين شخص وهجرت اثني عشر مليونا، ودمرت القنابل الكيميائية الأمريكية كل غابات وأشجار فيتنام. وبعد الحرب، مارست أمريكا ضغوطا شديدة من أجل منع الاستثمار العالمي في الاقتصاد الفيتنامي، وفرضت عقوبات شاملة على تلك الدولة.

وأضاف الرئيس الفيتنامي: "بذل الحزب الشيوعي الفيتنامي جهودا كبيرة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، ولكن بعد عدة سنوات اكتشفنا، أن الأساليب الثورية وحدها لا تكفي لتحقيق انتعاش اقتصادي. فعقلية إدارة الخنادق ومسارح الحرب، تختلف تماما عن عقلية إدارة الاقتصاد والدولة. في العقلية الأولى يكفي الحماس والإخلاص والتضحية والانتماء الثوري، أما للنجاح في البناء، فأنت بحاجة إلى مختصين وتكنوقراط، وعلاقات دولية وجو سلمي داخلي وعالمي. ولذلك – والكلام للرئيس الفيتنامي – أقرت قيادة الحزب الشيوعي في ثمانينات القرن الماضي، خطة "دوي موي" للإصلاح الاقتصادي. وترتكز تلك الخطة إلى التخطيط المركزي للبناء، والانفتاح التدريجي على آليات السوق، والسعي لترميم العلاقات مع الدول الغربية". انتهى كلام الرئيس الفيتنامي.

وخلال زيارتي الأولى لفيتنام في عام 2003، لاحظت تغييرا حقيقيا في التوجه السياسي للقيادة الفيتنامية. فأمريكا لم تعد عدوا، بل أكبر مستثمر أجنبي في فيتنام، وإسرائيل انتقلت في الإعلام الفيتنامي، من خانة الغزاة والمحتلين، إلى قائمة الشركاء الاستراتيجيين، التي تزود الاقتصاد الفيتنامي بالتقانة، وتبيع للجيش الفيتنامي مختلف صنوف الأسلحة. كما تغيرت طبيعة العلاقات التحالفية العقائدية مع كل من الصين والاتحاد السوفياتي -آنذاك-، وباتت المصالح وليست المباديء الشيوعية، هي التي تتحكم في علاقات فيتنام مع تلك الدولتين.

والشيء الوحيد الذي أبقت عليه الحكومة الفيتنامية من التماثل السياسي مع النظام الشيوعي الصيني، هو معادلة دمج أفضليات النظام الاشتراكي مع ميزات الاقتصاد الرأسمالي، والذي عرف باقتصاد السوق الاشتراكي. ومؤخرا غيرت الحكومة الفيتنامية جزئيا من موقفها هذا، واتبعت نهجا خاصا بها قريبا أيضا من النهج الصيني، وهو الحفاظ على السلطة السياسية للحزب الشيوعي، والسماح للاقتصاد بأن ينمو ضمن آليات وقوانين الاقتصاد الرأسمالي.

لقد حققت التجربة الاقتصادية الفيتنامية معجزات حقيقية في النمو الاقتصادي والبشري. فقد بلغ حجم الناتج المحلي عام 2024 نحو 500 مليار دولار، وحافظ النمو السنوي على معدل ثابت هو 6-7 بالمائة، وأصبحت فيتنام المنافس الأول للصين في الصناعات الالكترونية والنسيجية وفي الاختراعات. ووصل حجم التبادل التجاري بين أمريكا وفيتنام إلى 137 مليار دولار العام الماضي. وبلغت حصة الفرد من الناتج المحلي 48 ألف دولار سنويا.

وأخيرا، أسوق الملاحظات التالية حول التجربة التنموية الفيتنامية:

أولا: مرت فيتنام بفترة صعبة جدا استمرت نحو عقد من الزمن، وكانت البلاد في تلك الفترة تعاني من الدمار والفقر والنقص في كل شيء. وقد بدأت الأوضاع في التحسن بعد إقرار الإصلاح الاقتصادي أواسط ثمانينات القرن الماضي. وتحققت بداية النهوض الحقيقي في فيتنام في مطلع الألفية الثانية. أي أن الأمر تطلب عشرين عاما لتتخلص فيتام من إرث التخلف والدمار، وتبدأ مرحلة النمو والازدهار.

ثانيا: إن الشعب الفيتنامي لا يزال يعاني حتى اليوم – أي بعد خمسين عاما – من عواقب الحرب. فلا تزال الأرض الفيتنامية تحتفظ بعدد هائل من الألغام التي دفنها الأمريكيون، ولا يزال آلاف الفيتناميين وأولادهم، يعانون كذلك من تأثيرا الأسلحة والمواد الكيمائية التي استخدمتها أمريكا أثناء الحرب. وتشير مصادر فيتنامية، إلى أنه منذ نهاية الحرب وحتى العام 2024، توفي نحو مائة ألف شخص بسبب مخلفات الحرب.

ثالثا: إن الإصلاحات الاقتصادية الفيتنامية لم تسر بسهولة ويسر، فهي قد واجهت مقاومة شديدة من داخل القيادية الفيتنامية نفسها. وقد وقف الجنرال جياب الذي قاد الجيش الفيتنامي إلى النصر، في طليعة المنتقدين والمعارضين للإصلاحات الاقتصادية.

أردت – بعجالة – أن أعرض للظروف التي مرت بها التجربة التنموية الفيتنامية الناجحة أمام القراء الأكارم، عل ذلك يكون مفيدا لتجربة النهوض في سورية. (اخبار سوريا الوطن ١-مركز الوادي للدراسات الأسيوية)

مشاركة المقال: