الأربعاء, 30 أبريل 2025 11:31 AM

فلسفة الكذب: نظرة في جذور الظاهرة وأثرها على المجتمعات

فلسفة الكذب: نظرة في جذور الظاهرة وأثرها على المجتمعات

مالك صقور: هذا العنوان ليس لي، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل (للكذب) فلسفة؟! والجواب نجده في كتاب الدكتور محمد مهدي علام "فلسفة الكذب".

السبب الذي جعله يكتب هذا الكتاب هو أنه عندما كان طالباً في دار العلوم بمصر، عام 1918، تمنى أن يقرأ كتاباً باللغة الإنجليزية، فأرشده أستاذه إلى كتاب: (العادات والأخلاق في مصر الحديثة) لمؤلفه: (إدوارد لين).

وقد صُدم علام حين قرأ في هذا الكتاب فقرة عن (كذب المصريين)، يقول: "وقد قرأتُ فيه عنوان (كذب المصريين) في أمرّ ما قرأت في حياتي، لأنها من أصدق ما قرأت. وحسبي أن أنقل منها بعض أجزائها هنا ليعلم القارئ أثرها في نفس طالب ناشئ يدّعي لأمته جميع الفضائل ويشعر بعزته القومية تُجرح، لأن كاتباً أجنبياً أصاب بوصفه المقتل، ورمى أمة بما لا يستطيع أبناؤها أن يتنصلوا منه.

قال الكاتب الإنجليزي: "إن التمسك بقول الصدق فضيلة أندر من الكبريت الأحمر في مصر الحديثة". كما تكلم عن صور الكذب المباحة التي نص عليها الإسلام على جوازها، وقال: "إن هذا الجواز قد يسهل على الناس تكوين عادة الكذب، في غير المواضع المباحة مما حرّمه الإسلام تحريماً قاطعاً.

ومن ثم انتقل الكاتب الإنجليزي إلى التدليل على صدق دعواه أن الكذب ذائع بين المصريين بقوله: "ولقد يجوز لي أن أذكر هنا – وإني لأشعر إذ أقص هذا الخبر بشيء من العزة القومية – أنه كان في المدينة (القاهرة) لآل أرمني معروف بصدقه معرفة جعلت أصدقاءه من المصريين يصممون على تسميته اسماً يدل على اتصافه بتلك الفضيلة النادرة فيهم. فأطلقوا عليه اسم "الإنغليزي". وأصبح ذلك عاماً على أسرته، ومن الشائع أن تسمع تجار القاهرة لدى طلبهم ثمناً لا يودون في مساومة يقولون: "كلمة واحدة، كلمة الانغليز".

هكذا صور الكاتب الإنجليزي الشعب المصري عام 1835. وهذه الصورة البغيضة بقيت محفورة في ذهن الطالب محمد مهدي علام طويلا .. وحتى بعد أن أصبح طالباً في بريطانيا ..في جامعة بإكستر عام 1922.

هناك أدرك صدق الطلاب، وتذكر كتاب إدوارد لين، لكنه يستطرد ويذكر هذه الحادثة: "كان من عاداتنا في الجامعة أن نقوم بالرياضة البدنية في حجرة الألعاب في إحدى المداس الثانوية بتلك المدينة. وكانت هذه المدرسة تعير حجرة ألعابها في أيام خاصة من كل أسبوع، وكان يشرف علينا في ذلك العمل مدرب، وحدث ذات مساء، ونحن نزاول تدريباتنا البدنية أن أخذنا نتقاذف كرة كبيرة أثناء فترة الراحة، وركل أحدنا الكرة ركلة قوية صعدت إلى سقف الغرفة، فأصابت أسلاك الكهرباء فانقطع التيار الكهربائي وانطفأ النور.

فقال قاذف الكرة: "لا بد أن نبلغ ناظر المدرسة الثانوية بما حدث. ولقد دهشنا جداً عندما سمعنا في ذلك الظلام الدامس صوت مدربنا يقول لزميلنا الطالب: "لا تذكر الكرة، ولا تفصل في القول في احتراق الأسلاك تفصيلا ً".

ويعلق محمد مهدي علام قائلاً: "فلئن دلّت هذه الواقعة على أن في الإنكليز من يكذب – لا بد أن يكون في كل أمة من يكذب – قد دلت على أن جميع الطلاب الذين حضروها قد استنكروا هذا الكذب استنكاراً شديداً واتخذوا من صيغته ولهجته مادة لتهكمهم وازدرائهم. والحق أنه لم تقم لذلك المدرب قائمة بيننا بعد تلك الحادثة".

وعندما عاد الدكتور علام إلى مصر وبدأ بالتدريس كانت أولى محاضراته: (فلسفة الكذب).

يضم الكتاب ثمانية فصول بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة ..ويفند فيها صور الكذب مقرونة بالرذائل، فالكذب هو المعول الهدام في الصرح الاجتماعي. وفي هذه الأيام، بواسطة الإعلام والتضليل الإعلامي يستشري النفاق والكذب والنميمة. والصدق اصبح عملة نادرة.

وأخيراً: إن الصدق شجاعة والكذب جبن ولؤم.

(موقع أخبار سوريا الوطن-٢)

مشاركة المقال: