الخميس, 15 مايو 2025 05:39 PM

صفقة مؤقتة في غزة: هل يستسلم نتنياهو للضغوط الأمريكية المتزايدة؟

صفقة مؤقتة في غزة: هل يستسلم نتنياهو للضغوط الأمريكية المتزايدة؟

يحيى دبوق لم يكن حديث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن نيّته العمل على إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مجرّد تصريح عابر، أو محاولة لتلافي إحراج القادة الخليجيين الذين يستضيفونه في جولته الحالية؛ بل هو إعلان نيّات ضمن استراتيجية أميركية أوسع، تهدف إلى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، بما يخدم مصالح الولايات المتحدة مباشرة.

وفي ظلّ هكذا مسار، يُرجَّح أن تتصاعد الضغوط الأميركية على إسرائيل، وبشكل خاص على رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، للتوصّل إلى تسوية تنهي القتال في غزة. على أن ما يسعى إليه ترامب يبدو أقرب إلى صفقة هادئة – وبلا مواجهات صاخبة مع تل أبيب -، من شأنها أن تحقّق الحدّ الأدنى من أهداف الحرب السياسية. ويبقى السؤال حول ما إذا كان يستطيع تحقيق ذلك، وأيضاً ما إذا كان نتنياهو سيرضخ لضغوط واشنطن.

وعلى رغم عدم وضوح الإجابات أو اكتمالها، يبدو أن التوصّل إلى تسويات لا يزال هو الراجح، وبـ«رضوخ إسرائيلي نسبي»، وإنْ كان ترامب سيواجه مقاومة من نتنياهو، الذي يصرّ على مقاربته الأمنية، كونه لا يرى في أيّ تسويةٍ لا تؤدّي إلى هزيمة حركة «حماس» سياسيّاً وعسكريّاً، نجاحاً، فضلاً عن أنه يرفض حلّاً يظهره وإسرائيل، في موقع الخاسر.

لذلك، يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية وراء تسوية تنهي البنية العسكرية لـ«حماس»، أو على الأقل تضعفها بشكل كبير، وتتضمّن ترتيبات واضحة لليوم التالي، تمنع عودة الحركة إلى الحكم في القطاع. غير أن تبنّيه موقفاً حازماً في هذا الصدد، لا يعني أبداً أنه قادر على إغلاق باب التفاوض والتسويات، خاصة إذا واصل ترامب ضغوطه عليه، ما سيضطرّ الأول إلى تقديم تنازلات محسوبة، تتيح له انتظار متغيّرات مستقبلية، تعيد إليه زمام المبادرة.

في المقابل، يدرك ترامب التعقيدات التي تواجه «بيبي»، لكنه يبدو مصراً على تحقيق نتيجة ملموسة، وفق ما تشي به مواقفه ومساعي مندوبيه، وإنْ كان يتحرّك بحذر، كونه غير معنيّ بفرض حلول بالقوّة على إسرائيل، تظهره معارضاً لمصالحها. وعلى أيّ حال، ليست الفكرة في فرض تسوية شاملة، بل في فتح مساحة جديدة للتفاوض، ربّما تبدأ بوقف جزئي لإطلاق النار وتوفير المساعدات الإنسانية، وتنتهي بترتيبات أمنية وسياسية توفّر غطاء لكلّ الأطراف تحت الرعاية الأميركية.

ولعلّ ممّا يساعد ترامب في مهمّته، أن تموضع نتنياهو لم يَعُد كما كان؛ فقد انتقل الزعيم الإسرائيلي من حالة الهجوم وفرض الوقائع، ومن كونه على أعتاب عملية عسكرية طويلة لتحقيق «نصر مطلق»، إلى وضع دفاعي على أكثر من جبهة، على رغم تمسّكه بصورة القائد القويّ غير المتأثّر بالضغوط الخارجية.

يبدو أن التوصّل إلى تسويات لا يزال هو الراجح، وبـ«رضوخ إسرائيلي نسبي»

وفي الوقت نفسه، فإن تحوّل الحرب إلى عملية استنزاف لا نهاية لها، يُسهّل مهمّة الحدّ من القتال، خصوصاً في ظلّ إنهاك الجيش الإسرائيلي، ورفض الاحتياط أوامر الاستدعاء، وأيضاً تراجع شعبية نتنياهو داخلياً وسط تنامي المعارضة لحكومته والمطالبة بصفقة مع «حماس». لكنّ التسوية الجادّة تعني، من ناحية نتنياهو، مواجهة أزمة داخلية قد تطيح الائتلاف الحكومي الهشّ، والذي ينتظر بعض أعضائه تراجعه لمحاولة إسقاطه، خاصة أنهم يعارضون أيّ صفقة مع الفلسطينيين مهما صغرت. فكيف إذاً لنتنياهو أن يستجيب لضغوط ترامب، وهو الذي بنى خطابه السياسي على فكرة الانتصار العسكري، وفي ظلّ تهديدات ائتلاف رافض للتسويات؟

يبدو السيناريو الأكثر واقعية، على المدى القصير، هو أن تضغط (وليس أن تستحصل بالضرورة) الولايات المتحدة على إسرائيل لتخفيف العمليات العسكرية في المناطق المدنية، وفتح ممرّات إنسانية، والسماح بدخول المساعدات. وإذ يتعارض هذا السيناريو مع موقف نتنياهو الرافض للتفاوض إلا تحت ضغط الحرب، فإن الرجل سيكون مضطرّاً – بعد إثبات منعته وأنه معنيّ بمواصلة القتال ولو لفترة قصيرة – أن يخفّف من حدّة الهجمات ووتيرتها، ويعتمد أكثر على عمليات نوعية محدودة، من شأنها أن تخدمه كونها تسمح له باستكمال خطابه القوي، بينما تمنح إدارة ترامب مساحة لتصوير نفسها على أنها تعمل على تخفيف حدّة الصراع.

وتحت الضغط الأميركي، بدأت الأطراف جولات تفاوض للتوصّل إلى اتفاق، ربما يفضي إلى تبادل أسرى، في مقابل وقف مؤقّت لإطلاق النار، وهو ما ترى فيه الإدارة الأميركية بدايةً لتسوية أوسع، بينما يراه نتنياهو محطّة في سياق الحرب المستمرة التي يمكن استئنافها بعد انتهاء الهدنة المؤقتة.

بالنتيجة، يسير ترامب على حبل رفيع بين مصالح الولايات المتحدة ومصالحه الشخصية، وبين علاقاته مع دول الخليج ومصالح إسرائيل التي لا يمكنه تجاهلها. لكنه لا يبحث عن مواجهة مباشرة، ويأمل في نتائج سريعة قد تكون صعبة المنال في ظلّ التعقيدات الحالية. أمّا نتنياهو، الذي يركن إلى موقع دفاعي، فيحاول التوفيق بين الضغوط الخارجية وتلك الداخلية، من دون أن يفقد صورته كقائد قوي يسعى لتحقيق النصر الكامل.

وإذا كان ما تقدّم يُظهر كم أن مهمّة ترامب شاقّة، فهو يبيّن أنها ليست مستحيلة أيضاً؛ فَلَو أراد الرئيس الأميركي أن يدفع إسرائيل نحو التسوية، يمكنه ذلك، ولا سيما إذا كانت هذه الأخيرة جزئية. لكن هل ستلتزم تل أبيب بها أم ستعمل على تقييد نطاقها وعرقلة تنفيذها؟ من المؤكد أنها ستوافق تحت الضغط، لكنها ستبذل جهدها لتخفيف آثارها السلبية عليها، وهو بالضبط ما بدأ نتنياهو في إظهاره، مع إعلانه رفضه للضغوط وتمسّكه بالحرب.

ولا شكّ في أن كل ذلك يلقي بظلال ثقيلة على طبيعة التسوية المرتقبة، ويصعّب التنبؤ بنتائجها: بين وقف كامل للحرب، أو مجرّد تسهيل لدخول المساعدات الإنسانية. لكنّ الصفقة بدأت تلوح في الأفق، ولو بشكل جزئي ومؤقّت، وهو ما كان من الصعب تصوّره قبل وقت قصير، إذ كانت الاتفاقات غير واردة أصلاً وغير مطروحة على الطاولة. ولعلّ هذا التحوّل، وإنْ بدا ضبابيّ المعالم، يعكس تغييراً في موازين الضغوط والحسابات الاستراتيجية، لدى الأطراف الرئيسية المتدخّلة في الصراع.

مشاركة المقال: