الجمعة, 16 مايو 2025 12:35 AM

سوريا على مفترق طرق: هل يفتح رفع العقوبات الباب لازدهار اقتصادي أم يغرق البلاد في الاستهلاك؟

سوريا على مفترق طرق: هل يفتح رفع العقوبات الباب لازدهار اقتصادي أم يغرق البلاد في الاستهلاك؟

صباح 13 أيار/مايو بدا وكأنّه يفتح شباكاً على صفحة جديدة لدمشق: إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفعٍ شاملٍ للعقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري منذ 2011 وفي مقدّمتها قيود “قيصر”. بمجرّد صدور القرار، عادت المصارف السورية إلى البحث في إمكان وصلها مجدّداً بنظام “سويفت” وتحريك تعاملات الدولار التي كانت شبه مشلولة. وحده الكونغرس، الذي ألمح إلى احتمال تفعيل “سناب‑باك”، يقف اليوم بين سوريا وتثبيت هذا الانفتاح.

في مقابل الانفراج المالي، تفرض واشنطن تعريفاتٍ مرتفعة، تصل إلى 40 %،على أي صادرات سوريّة قد تصل ولو بصورة غير مباشرة إلى السوق الأميركية. داخلياً، خفّضت الحكومة الانتقالية الرسوم على مئات السلع الأساسية المستوردة لخفض التضخّم، لكنّها رفعتها بشدّة على الكماليات. النتيجة؟ استيرادٌ أرخص ينعش الاستهلاك سريعاً، يقابله بابٌ شبه مغلق أمام الصادرات، وهو ما قد يُبقي العجز التجاري في حالة اتساع.

في الرياض وأبوظبي حماسة واضحة لتمويل إعادة الإعمار، مع حديثٍ عن شراكاتٍ في الموانئ والطاقة والاتصالات قد تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار على المدى الطويل. الدافع مزدوج: استثمارٌ ذو عائدٍ مرتفع في سوقٍ متعطّشة للبنية التحتيّة، ونافذةٌ جيوسياسية تعزّز الحضور الخليجي على المتوسط. لكن على الأرض، يشكو بعض الصناعيين الحلبيين والحمويين من أنّ السلع المُستوردة بعد تخفيض التعرفة بدأت تنافس منتجاتهم قبل أن تستعيد المصانع طاقتها الكاملة. هنا يظهر التحدّي: كيف نرحّب بالسيولة من دون خنق الصناعة المحلّية؟

فتحُ نظام المدفوعات الخارجي سيقلّص الفجوات اللوجستية بين بيروت ودمشق، ما يخلق مجالاً لشركات الخدمات والاستشارات والهندسة اللبنانية كي تلعب دور “مقاول الباطن” في مشاريع الإعمار، لا سيّما في الطاقة المتجدّدة وتكنولوجيا المعلومات. كذلك، من المتوقّع أن يتحوّل مرفأ طرابلس والحدود الشمالية إلى مسار بري رئيسي للمواد الأولية الداخلة إلى سوريا.

مؤشّرات تستحق المتابعة

  1. احتياطيات النقد الأجنبي في المصرف المركزي السوري: قدرة دمشق على الدفاع عن الليرة ستكون اختباراً أوّلياً لنجاح الانفتاح.
  2. نموّ الصادرات غير النفطية: ما لم ترتفع بأكثر من 10 % سنوياً، ستبقى الفاتورة الاستيرادية عبئاً دائماً.
  3. وتيرة الإقرارات الاستثمارية الخليجية الفعلية: الفارق بين التعهّد والتنفيذ في المنطقة معروف، والمشاريع التي تمرّ بمرحلة وضع حجر الأساس هي المقياس الحقيقي.

تحليلٌ خارج الصندوق: هل تتحوّل سوريا إلى “حالة فيتنام” الشرق الأوسط؟

الرهان التقليدي يفترض أنّ إعادة الإعمار ستخلق موجة استهلاك ضخمة تستفيد منها شركات المقاولات وتجار السلع. لكن التجربة الفيتنامية تقدّم زاوية مختلفة: تدفّقُ الرساميل الأجنبية ترافق مع سياسة تصنيع موجّهة للتصدير، فصعدت البلاد سريعاً في سلاسل القيمة لتصبح مركزاً للإلكترونيات والمنسوجات. نجاح هذا النموذج في سوريا يتطلّب ثلاثة شروط غير مطروحة بعد بجدّية:

  • مناطق اقتصادية خاصّة بقواعد جمركية وضريبية مستقرة لعشر سنوات على الأقل، تجذب خطوط تجميع إقليمية تهدف إلى أوروبا والأسواق العربية.
  • مصرف إنمائي يتولّى الإقراض طويل الأجل بالعملة المحلّية لمنح المصانع معداتٍ حديثة من دون مخاطرة تقلب الدولار.
  • وعاء بشري متخصّص: برامج تدريب مموَّلة خليجياً لإعادة توطين عمالة ماهرة من الشتات السوري، ما يخفض فجوة المهارات ويخلق شواغر حقيقية بدلاً من وظائف بناء مؤقتة.

إذا تحقّقت هذه العناصر خلال 18 شهراً، قد نشهد ولادة بديلٍ صناعي في شرق المتوسط يغيّر خريطة سلاسل التوريد الإقليمية—بدلاً من سيناريو “طفرة إسمنتية” تُغذّي الاستيراد وتستهلك السيولة سريعاً. الطريق لا يزال طويلاً، لكنّ الوقت كفيل بتمييز أيّ الرهانات سيُثبت نفسه: رواجٌ استهلاكي عابر أم تحوّل هيكلي يعيد تعريف الأصول في كامل الشرق الأوسط

مشاركة المقال: