الثلاثاء, 20 مايو 2025 03:25 AM

سوريا تُطلق هيئة للعدالة الانتقالية وسط جدل حول شمولية المساءلة: هل تحقق المصالحة؟

سوريا تُطلق هيئة للعدالة الانتقالية وسط جدل حول شمولية المساءلة: هل تحقق المصالحة؟

أصدرت رئاسة الجمهورية في سوريا المرسوم الرئاسي رقم (20) لعام 2025، الذي ينص على تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية"، بهدف كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها النظام السابق، ومساءلة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر ضرر الضحايا، وتعزيز مبادئ المصالحة الوطنية. كما أُعلن عن تشكيل "الهيئة الوطنية للمفقودين" بموجب مرسوم منفصل، لمعالجة قضية المفقودين والمختفين قسرًا، وهي إحدى أبرز القضايا الإنسانية في سوريا.

دعوات إلى الشمولية

تُعد العدالة الانتقالية ركيزة أساسية لمعالجة الجراح العميقة التي خلّفها الصراع السوري، حيث تسعى إلى تحقيق العدالة للضحايا من خلال المساءلة وكشف الحقيقة، مع ضمان عدم تكرار الانتهاكات. الناشطة السياسية أليس مفرج، عضو هيئة التفاوض السورية سابقاً، أكدت على حسابها في فيسبوك أن تركيز المرسوم على محاسبة النظام السابق فقط يُعد "انتقائية" تنتهك مبدأ المساواة أمام القانون، المنصوص عليه في المادة 10 من الإعلان الدستوري. وأضافت أن استبعاد ضحايا أطراف أخرى قد يعيق التعافي الوطني ويعزز الانقسامات، مشددة على أن "العدالة للجميع، بلا استثناء" هي السبيل لبناء الثقة بين الأطياف السورية.

ضمان سلم أهلي مستدام

يؤكد الحقوقيون أن نجاح العدالة الانتقالية يعتمد على إشراك جميع الأطراف المتضررة، بما في ذلك ضحايا جميع الفصائل، لضمان سلم أهلي مستدام. فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قال في حديث لمنصة "سوريا ٢٤": "أصدرنا رؤية شاملة لمسار العدالة الانتقالية تتضمن كيفية تشكيل الهيئات المعنية. وبعد تسريبات حول طريقة التشكيل، أصدرنا مادة مركزة لتوضيح الأمور الجوهرية المتعلقة بتشكيل عضوية هذه الهيئات، وركزنا فيها على هيئة واحدة كمثال". وتابع: "نرى أن تشكيل هيئات العدالة الانتقالية يجب أن يتم عبر قانون يصدر عن المجلس التشريعي، وليس بمرسوم، وذلك لضمان شرعية أكبر، ومعالجة معضلة التفويض، وفتح المجال أمام مشاركة أوسع لأصحاب المصلحة، خصوصاً الضحايا ومنظمات المجتمع المدني". وأشار إلى أن التشكيل عبر المرسوم يجعل الهيئة مرتبطة بالسلطة التنفيذية، بما في ذلك الرئيس والأعضاء، ويفقدها الاستقلالية المطلوبة. كما أن المرسوم لم يتضمن أي دور للمجتمع المدني، أو المنظمات الحقوقية، أو روابط الضحايا، وهو أمر ضروري لضمان الشفافية والشمولية. وأضاف: "نرفض بشدة فكرة تشكيل هيئة مستقلة للمفقودين خارج إطار العدالة الانتقالية، فهذه الهيئة يجب أن تكون ضمن لجنة الحقيقة، وتتكامل مع باقي اللجان مثل المحاسبة والتعويضات، إذ إن وجود هيئة مستقلة سيؤدي إلى تعقيد بيروقراطي ويفقد التنسيق المطلوب".

التحديات والمعايير الدولية

تُسهم العدالة الانتقالية في إصلاح المؤسسات واستعادة الثقة بالدولة من خلال محاسبة عادلة وشفافة. الدكتور عبد العزيز النجيب، مستشار قانوني دولي، قدّم تحليلاً قانونياً، مشيراً إلى أن نجاح الهيئة يعتمد على توافقها مع الدستور السوري والاتفاقيات الدولية. وأوضح في حديث لمنصة "سوريا ٢٤" أن مشروع المرسوم لإنشاء هيئة عدالة انتقالية يساهم في تحقيق المساءلة، وضمان عدم الإفلات من العقاب، والكشف عن الحقيقة، وإصلاح المؤسسات. واعتبر أنه لضمان فعاليتها، يجب أن تكون الهيئة:

  • متوافقة مع الدستور السوري ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها سوريا.
  • تغطي جميع الانتهاكات، وتعمل بآليات واضحة وعادلة للتحقيق والمساءلة.
  • تتمتع باستقلالية تامة في التعيين والتمويل والمظلة القانونية، لحمايتها من التدخلات السياسية أو الأمنية.
  • قادرة على حماية الضحايا والشهود، ومعالجة ملفات المعتقلين والمفقودين، وتوفير التعويضات المناسبة.

ورأى أن التحديات الأساسية تكمن في ضمان استقلال الهيئة، ووجود بيئة سياسية داعمة، وحماية حقوق الضحايا بشكل فعلي. أي، وباختصار، فإن نجاح الهيئة يعتمد على شرعيتها واستقلاليتها وشفافيتها، في مواجهة التحديات السياسية والأمنية التي قد تعوق عملها.

ترحيب دولي مشروط

يرى المجتمع الدولي أن العدالة الانتقالية خطوة أساسية لدعم الانتقال السياسي في سوريا، مما يعزز الاستقرار الإقليمي. ميخائيل أونماخت، القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي لدى سوريا، رحّب بالخطوة، وأكد عبر منصة "X" استعداد الاتحاد الأوروبي للتعاون مع الهيئتين إذا طُلب ذلك، مع التأكيد على أهمية إشراك المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لضمان الشفافية والفعالية.

ووسط كل ذلك، تواجه الهيئتان تحديات كبيرة، أبرزها ضمان الاستقلالية والشفافية، وإشراك جميع أصحاب المصلحة، خصوصاً الضحايا، في حين يلقي الجدل حول شمولية المساءلة بظلال من الشك على قدرتهما على تحقيق المصالحة الوطنية.

مشاركة المقال: