الأربعاء, 7 مايو 2025 12:52 AM

جدل في ألمانيا حول حظر الهواتف الذكية في المدارس: هل هو الحل لتعزيز التركيز والتفاعل الاجتماعي؟

جدل في ألمانيا حول حظر الهواتف الذكية في المدارس: هل هو الحل لتعزيز التركيز والتفاعل الاجتماعي؟

على بُعد حوالي 100 متر من الأبواب الأمامية لمدرسة دالتون غرامر في ألسدورف بالقرب من آخن، هناك طقوس غير معتادة كل صباح: يضع حوالي 700 تلميذ هواتفهم المحمولة في حقائبهم المدرسية ويغلقونها. وقد أعربت الطالبة لينا سبيك البالغة من العمر 16 عاماً عن دهشتها من مدى نجاح اليوم الأول من حظر الهواتف المحمولة. وتقول لينا لـ DW: “حتى الآن كل شيء يسير بسلاسة إلى حد ما. لم ألاحظ أن أي شخص تم سحب هاتفه المحمول منه هذا الصباح. كما لاحظت أن التلاميذ يتحدثون أكثر مع بعضهم البعض. لا يعتقد الكثير منا أن حظر الهاتف المحمول سيء للغاية”.

نتيجة اليوم الأول: مخالفتان، قام تلميذ يبلغ من العمر 16 عاماً بتشغيل هاتفه الذكي في أثناء درس اللغة الألمانية. وكعقاب له تم وضع هاتفه المحمول في ظرف في المكتب وإغلاقه في الخزانة. ويمكن لوالديه استلامه في اليوم التالي. تسببت هذه العقوبة في الكثير من النقاش في المدرسة. تؤيد ممثلة التلاميذ، كلارا بتاك، البالغة من العمر 17 عاماً هذا النهج الحازم، وتقول لـ DW: “الأمر يشبه قطع الإشارة الحمراء بالنسبة للسائق. يجب أن تكون العقوبة قاسية، وإلا لن يتم التقييد بالقانون. إذا علمت أنني سأفقد هاتفي المحمول طوال فترة ما بعد الظهر والمساء، فمن المرجح أن ألتزم بالقاعدة”.

تحظر مدرسة دالتون غرامر الثانوية في ألسدورف بالقرب من آخنا استخدام الهاتف المحمول طوال اليوم الدراسي، بما في ذلك فترات الاستراحة، في مرحلة تجريبية. وأطلق على هذا المشروع التجريبي مبادرة “ذكي بدون هاتف”. وتسير العديد من المدارس على هذا الدرب لضمان متابعة التلاميذ لدروسهم وليس هواتفهم الذكية. ومع ذلك لا تزال الولايات الاتحادية، المسؤولة عن السياسة المدرسية مترددة في وضع معايير موحدة. وتتصدر ولاية هيسن جميع الولايات وتريد حظر استخدام الهواتف المحمولة الخاصة في المدارس الابتدائية بعد العطلة الصيفية. ومن ثم تعيم ذلك على المدارس الإعدادية والثانوية مع السماح ببعض الاستثناءات القليلة.

رحب الكثير من المعلمين في مدرسة دالتون غرامر في ألسدورف بالقرب من آخن بحظر الهواتف الذكية أثناء الدوام. أندريا فوندنهوف التي تدرّس اللغتين الإسبانية والإنجليزية تعتقد أن الحظر المفروض على الهواتف المحمولة سيترسخ مع مرور الوقت وسرعان ما سيصبح هو القاعدة: “تلاحظ في الفصل الدراسي أن الأطفال الصغار أصبحوا أكثر استرخاءً حقًا وغير مشتتين للغاية. لم يعد علي كمدرسة مراقبة التلاميذ فيما يفعلونه بهواتفهم المحمولة تحت الطاولة”.

ليس من قبيل الصدفة أن تسير مدرسة دالتون غرامر الآن في هذا المسار. فقد أظهرت المدرسة منذ سنوات أن التغيير ممكن: في عام 2013 حصلت المدرسة على جائزة المدرسة الألمانية إشادة بمنهاجها التعليمي القائم على المسؤولية والاستقلالية. وبعد ذلك بثلاث سنوات، أصبحت أول مدرسة في ألمانيا تنجح في إدخال نموذج الدوام المرن. في العام الماضي حصلت المدرسة على جائزة نشاطها الإعلامي. وتطبق مدرسة دالتون غرامر في ألسدورف بالقرب من آخن الرقمنة من خلال توفير أجهزة لوحية مدرسية للجميع، واستوديو بودكاست، وغيرها من متطلبات التحول الرقمي. ويوفر بعض التلاميذ الدعم اللازم في مجال تكنولوجيا المعلومات من خلال ما يسمى بكشافة الأجهزة اللوحية والمساعدة في حل المشاكل التقنية.

ويستبعد مدير المدرسة، مارتن فولر، أن يؤدي حظر الهواتف المحمولة إلى إبطاء وتأخر التلاميذ رقمياً. ويؤكد في حواره مع DW: “لا يتعلق الأمر بشيطنة أو حظر الرقمنة، بل يتعلق بالتشتيت الذي تسببه الهواتف المحمولة الخاصة. لقد رأينا بعض طلاب الصف الخامس والسادس الابتدائي يحدقون في هواتفهم المحمولة ويلعبون ألعاب إنترنت خلال فترات الاستراحة. ونحن في المدرسة نؤكد على التواصل مع بعضنا البعض والتحدث مع بعضنا البعض والضحك والتفاعل”.

درس الباحث في مجال التعليم والمحاضر الجامعي في جامعة أوغسبورغ كلاوس زيرر تأثير حظر الهواتف المحمولة في المدارس وقدم المشورة لحكومة ولاية هيسن بشأن القانون المزمع إصداره كخبير. ومطلبه واضح لا لبس فيه: يجب إخراج الهواتف المحمولة من المدارس، مع حظر كامل في المدارس الابتدائية واستثناءات قليلة للفئات العمرية الأكبر سناً. ويقول كلاوس زيرر لـ DW: “يمكننا أن نرى أنه في المدارس التي تم فيها حظر الهواتف الذكية، هناك زيادة في الرفاهية الاجتماعية. ويؤدي حظر الهواتف الذكية إلى تقليل وقت التنمر الإلكتروني لأن المدارس تشهد في الغالب أشكال شتى من التنمر الإلكتروني، على سبيل المثال الصور في مراحيض المدارس”.

تم حظر الهواتف المحمولة في المدارس منذ فترة طويلة في فرنسا وإيطاليا، ومنذ العام الماضي أيضاً في المملكة المتحدة وهولندا. ولكن لا تزال هناك مقاومة في ألمانيا. لا يؤيد الجميع حظر الهواتف المحمولة في جميع أنحاء البلاد. فممثلو الطلاب والنقابات العمالية متشككون بشكل خاص: فالحظر سيؤدي فقط إلى نقل المشاكل إلى أوقات الفراغ وهو أمر غير واقعي وبدلاً من ذلك، يجب أن يتعلم الأطفال والشباب استخدام هواتفهم المحمولة بشكل مسؤول في المدرسة، حسب وجهة نظرهم.

لا يقبل كلاوس زيرر ذلك: “لا يمكن لطفل في العاشرة أو الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره استخدام هاتفه الذكي بمسؤولية”. ويذكرنا الخبير التربوي بأنه يحظر تتعاطي الكحول والمخدرات أثناء قيادة السيارة. “إن حظر أشياء معينة على الأطفال في سن معينة ليس أمراً سيئاً في حد ذاته، ولكنه تعبير عن مسؤولية الجيل الأكبر سناً تجاه الجيل الأصغر سناً نحن نعرف المخاطر ويجب أن نحمي أطفالنا وفقاً لذلك من أجل تعليمهم الكفاءة خطوة بخطوة. أتثبت دراسة من إنكلترا صحة كلام كلاوسزيرر: تمكن التلاميذ الأقل أداءً على وجه الخصوص من التحسن في المدارس التي تحظر استخدام الهواتف المحمولة. وهذا ليس مفاجئًا إذا نظرنا إلى نتائج دراسة أجرتها منظمة Common Sense Media في الولايات المتحدة الأمريكية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في عام 2024: وفقًا لهذا يتلقى نصفهم حوالي 60 إشعارًا خلال فترة وجودهم في المدرسة فقط.

أظهرت الدراسات في ألمانيا أن الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 16 عاماً فأكثر يقضون أحياناً ما يصل إلى 70 ساعة أسبوعياً على الإنترنت، حسب ما ذكره كلاوس زيرر. ويوجه زيرر نداءه قائلاً: “نحن بحاجة إلى أن نقدم للتلاميذ شيئاً لا يتوفر لهم في حياتهم اليومية. لديهم ما يكفي من الوقت أمام الشاشات في المنزل. وبدلاً من ذلك، فهم بحاجة إلى المزيد من التمارين الرياضية، والمزيد من التفاعل والمزيد من التجارب الاجتماعية لتعزيز التعاطف والمهارات الاجتماعية”. (DW)

مشاركة المقال: