أقامت رابطة الصحفيين السوريين فعالية مركزية في العاصمة دمشق بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، المصادف الثالث من أيار/مايو، بحضور أكثر من 50 صحفيًا وصحفية من مختلف المؤسسات الإعلامية داخل سوريا وخارجها، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة الإعلام ومؤسسات نقابية وأكاديمية.
ركزت الفعالية على إطلاق تقرير الحريات الإعلامية في سوريا بعد سقوط النظام، وناقشت كذلك دراسة موسّعة حول الصحافة الأخلاقية والقوانين الناظمة لها، في محاولة لبناء أرضية حوار مهنية بين الصحفيين السوريين، والتأسيس لمرحلة جديدة من العمل الإعلامي الحر والمسؤول، في ظل التحولات الجارية في البلاد.
وقد شهدت الفعالية مداخلات غنية من صحفيين وصحفيات تناولوا تحديات العمل الصحفي، وواقع الإعلام الرسمي، وغياب قانون واضح يحمي الحريات الإعلامية ويحدد المرجعيات.
صحفيون سوريون يتطلعون للمستقبل
قالت مزن مرشد، رئيسة رابطة الصحفيين السوريين، في تصريح خاص لـ سوريا 24، إن “اليوم العالمي لحرية الصحافة لم يعد مجرد مناسبة رمزية، بل أصبح فرصة واقعية لإعادة تعريف الصحافة السورية، وتحويلها من أداة خاضعة إلى سلطة مراقِبة وشريكة في بناء دولة القانون”.
وأكدت أن “الصحفيين السوريين يلمسون إشارات انفتاح لا يمكن تجاهلها”، داعية الحكومة والمؤسسات الدولية للعمل مع الرابطة لترجمتها إلى سياسات وتشريعات تكفل حرية الصحافة وتضمن حماية الصحفيين وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.
الصحفية يالا فهد أكدت من جانبها أهمية الحضور النسائي في هذه الفعالية، مشيرة إلى أن “وجود الصحفيات في النقاشات حول المرحلة القادمة ضروري لضمان شمولية الحوار وواقعيته”.
بدوره، اعتبر يدن دراجي، المدير التنفيذي للرابطة، أن إطلاق تقرير الحريات يشكّل “منصة للتفكير الجماعي”، وأضاف: “شهدنا حواراً منفتحاً مع الزملاء والزميلات من خلفيات إعلامية متعددة، وهذا ما نحتاجه اليوم لإعادة هيكلة القطاع الإعلامي بشكل مهني وتعددي”.
تقرير الحريات الإعلامية: نظرة واقعية على التحولات والتحديات بعد سقوط النظام
بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين، أصدرت رابطة الصحفيين السوريين تقريرًا بعنوان “الإعلام السوري بين التحديات والأُمنيات”، يستعرض واقع الإعلام بعد سقوط النظام، مستندًا إلى شهادات واستبيانات من 72 صحفيًا وصحفية.
يرصد التقرير التحولات الإيجابية التي بدأت تظهر في بيئة العمل الصحفي، مثل منح تراخيص جديدة، دعوة إعلاميين منفيين للعودة، ومحاسبة مسؤولين على انتهاكات بحق صحفيين، وهي خطوات غير مألوفة في تاريخ الإعلام السوري.
وفي الوقت نفسه ينتقد التقرير بشدة إرث القوانين القمعية التي ما تزال بحاجة لإلغاء أو تعديل جذري، وعلى رأسها قانون الإعلام رقم 108 لعام 2011، وقانون الجرائم المعلوماتية لعام 2022، وقانون الإعلام الجديد لعام 2024.
كما يشير إلى مواد في قانون العقوبات كانت تُستخدم لتجريم العمل الصحفي.
ويشدد التقرير على أهمية تضمين حرية الصحافة في الإعلان الدستوري الجديد (المادة 13)، لكنه يلفت إلى أن التحدي الأكبر يكمن في ترجمة هذه المبادئ إلى تشريعات نافذة وآليات حماية مستقلة تمنع تكرار الانتهاكات، وتضمن الاستقلال المهني.
وتضمنت توصيات التقرير ضرورة محاسبة المتورطين في الجرائم ضد الصحفيين، وإلغاء القوانين التي شرعنت قمع الإعلام، والإفراج الفوري عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسريًا.
كما دعا التقرير إلى تأسيس نقابات إعلامية مستقلة وفعالة، وتدريب الأجهزة الأمنية على احترام حقوق الصحفيين، إلى جانب دعم الإعلام المستقل وتوفير بيئة مهنية حاضنة تضمن حرية العمل والحماية القانونية.
الصحفيات السوريات: الحضور الضعيف والانتهاكات المستمرة
وحسب دراسة أجرتها منظمة “صحفيات بلا قيود” عام 2024، فإن النساء يمثلن فقط 18% من العاملين في الإعلام السوري، في حين أفادت 74% من الصحفيات بتعرضهن لمضايقات، تهديدات أو تمييز مباشر.
كما كشفت الدراسة أن 12 صحفية سورية لا يزلن في عداد المختفيات قسرًا، دون أي معلومات رسمية عن مصيرهن، ما يعكس استمرار هشاشة الحماية القانونية وضعف الإجراءات الوقائية في بيئة إعلامية محفوفة بالمخاطر.
ولا تزال سوريا تُصنَّف ضمن أسوأ الدول في العالم في حرية الصحافة، حيث جاءت في المرتبة 175 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2024، الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود (RSF)، في تأكيد على استمرار القيود، وضعف المؤسسات الضامنة، وانعدام الشفافية.
بيان اتحاد الصحفيين السوريين: الصحافة الحرة ضمانة لوحدة المجتمع
في بيان له بمناسبة الثالث من أيار، جدّد اتحاد الصحفيين السوريين تأكيده على أن حرية الصحافة ليست ترفاً، بل ركيزة أساسية لبناء مجتمع ديمقراطي وأكد البيان على ضرورة احترام التضحيات التي قدمها الصحفيون السوريون، والعمل على نبذ خطاب الكراهية، وتعزيز ثقافة الحوار والسلم الأهلي، من خلال صحافة مسؤولة تسهم في وحدة السوريين بجميع أطيافهم.
وشدد الاتحاد على استعداده للعمل مع مختلف الأطراف لصياغة قوانين تضمن بيئة آمنة وشفافة للإعلام، معتبراً أن الصحافة الحرة تمثل الضمانة الحقيقية لأي انتقال ديمقراطي في سوريا.
توثيق الانتهاكات بحق الصحفيين: أرقام دامغة لسنوات من القمع
وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) بالتعاون مع لجنة حماية الصحفيين (CPJ) مقتل 494 صحفيًا منذ عام 2011 حتى بداية 2025، منهم 28 صحفيًا قُتلوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط.
كما سُجلت حالات اعتقال أو اختفاء قسري طالت 478 صحفيًا وإعلاميًا، لا يزال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم، غالبيتهم على يد قوات النظام السوري.
تشير هذه الأرقام إلى أن الإعلام في سوريا لا يزال ميدانًا محفوفًا بالمخاطر، وأن الطريق نحو حرية الصحافة الفعلية يتطلب أكثر من وعود، بل التزامًا قانونيًا، ومحاسبة حقيقية، وإرادة سياسية تضمن ألا تتكرر هذه الانتهاكات بحق الصحفيين.
مزدهر، قادر على مواجهة التحديات وتحقيق العدالة.